اشترط الفقهاء لصحة عقد العمل أن تكون منفعة العمل راجعة إلى المستأجر لأنه هو الذي بذل الأجرة في سبيل الحصول عليها , فإذا لم تكن المنفعة حاصلة للمستأجر بل للمؤجر أو لغيرهما كانت الإجارة باطلة. ولكنهم اختلفوا في جواز الاستئجار على بعض العبادات والقربات , كما اختلفوا في جواز إعطاء الأجرة من ناتج العمل.
الاستئجار على العبادات والواجبات
يشترط عند الفقهاء بصفة عامة ألا يكون العمل المستأجر له فرضا ولا واجبا على الأجير قبل الإجارة , فلا تصح الإجارة إذا كانت واردة على القيام بفرض أو واجب على الأجير مثل:
- الاستئجار على القيام بفرض مثل العبادات التي لا تقبل النيابة كالصلوات المفروضة , وصيام رمضان , فإن الإنسان لا يجوز له أن يستأجر آخر ليصلي عنه , لأن الصلاة لا تقبل النيابة , ولا يعود نفعها على غير المصلي فلم يجز دفع أجرة لمن يقوم بها.
ومثل الصلاة والصيام كل عمل واجب على الإنسان لا يستحق عليه أجرة.
- الاستئجار على القيام بما هو واجب على الإنسان كمن قضى دينا عليه , فلا يستحق مثل هذا الأجرة على فعله , لأن الأجر عوض الانتفاع ولم يحصل لغيره ههنا انتفاع فأشبه إجارة الأعيان التي لا نفع فيها.
وقد اتفق الفقهاء على الاستئجار على تعليم اللغة والأدب والحساب والخط والفقه والحديث والشعر المباح ونحوها , وبناء المساجد والقناطر والرباطات , لأنها ليست بفرض ولا واجب. وقد تقع قربة تارة , وتارة غير قربة.
وفيما يلي تفصيل أقوال الفقهاء:
يبدو أن سبب الخلاف بين الفقهاء في جواز أخذ الأجرة على فعل العبادة وعدم جواز أخذها هو اختلافهم في وصول النفع إلى المستأجر وعدمه , فمن قال أن النفع يحصل للمستأجر قال بجواز أخذ الأجرة , ومن قال أن النفع لا يحصل إلا للأجير قال بعدم جواز أخذ الأجرة.
فذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه لا يجوز أخذ الأجرة على القربات والعبادات لأن الأصل أن كل طاعة يختص بها المسلم لا يجوز الاستئجار عليها , ولا يستحق الأجرة على فعلها كالصلاة والصوم والحج والإمامة والأذان والإقامة وتعليم القرآن.
فمن شرط صحة هذه الأفعال كونها قربة إلى الله تعالى , فلم يجز أخذ الأجر عليها.
وقد روي أن عثمان بن أبي العاص قال: إن آخر ما عهد إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن أتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا رواه أصحاب السنن الأربعة.
وعن عبد الرحمن بن شبل الأنصاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اقرءوا القرآن , ولا تغلوا فيه , ولا تجفوا عنه , ولا تأكلوا به , ولا تستكثروا به. رواه أحمد.
ومن قواعد الحنفية في هذا: (لا يستحق الأجر من استؤجر على الطاعة) , وكذلك (الاستئجار لما هو مستحق عليه لا يجوز) , فمن استأجر امرأته شهرا لخدمة البيت , لا تجوز هذه الإجارة لأنها مستحقة عليها.
ثم أفتى المتأخرون من علماء الحنفية بجواز أخذ المعلم أجرة المثل في زمانه على تعليم القرآن.
وظاهر كلام أحمد أنه إن أعطي المعلم شيئا من غير شرط جاز.
وذهب الإمامان مالك والشافعي إلى أنه تجوز الإجارة على قراءة القرآن وتعليمه , لأنه استئجار لعمل معلوم ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج رجلا بما معه من القرآن , وجعل ذلك يقوم مقام المهر , فجاز جعل القرآن عوضا
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح رواه البخاري وابن ماجه أنه قال: إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله.
فقد أجاز المالكية أخذ الأجرة على الأذان مع الإمامة , والقيام بالمسجد , لا على الصلاة بانفرادها قياسا على الأفعال غير الواجبة.
كما أجازوا للمفتي أخذ الأجر إن لم يكن له رزق.
وقالوا: يجوز الإجارة للمندوبات وفروض الكفاية.
وكذلك أجازوا مع الشافعية الإجارة على الحج لإقرار الرسول صلى الله عليه وسلم حج صحابي عن غيره.
أما الإمامة في الفروض فلا يجوز فيها الإجارة عند الشافعية , ولا يجوز ذلك بانفرادها عن الأذان في المشهور عند المالكية.
الاستئجار بأجرة من ناتج العمل
اختلف الفقهاء في الاستئجار بأجرة من ناتج العمل , فأجازه فريق ومنعه آخرون.
فذهب الحنفية والشافعية إلى أنه لا يصح استئجار رجل لطحن قفيزا من حنطة بجزء من دقيقها , أو ليعصر له قفيزا من سمسم بجزء معلوم من دهنه , لأن الأجير ينتفع بعمله من الطحن والعصر , فيكون عاملا لنفسه وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قفيز الطاحان في حديث رواه الدارقطني عن أبي سعيد الخدري كما استدل هذا الفريق بأن الاستئجار بأجرة من ناتج العمل فيه نقضا لشرط من شرائط الإجارة: وهو القدرة على تسليم الأجر وقت التعاقد.
وتكون القاعدة المقررة عند الحنفية ومن وافقهم هي: (تعيين الأجر مما يعمل فيه الأجير مفسد للعقد) .
وأجاز الحنابلة والمالكية ذلك إذا كان الكيل معلوما , وعليه عمل الناس , والحديث الوارد بالنهي عن قفيز الطحان لم تثبت صحته عندهم.
ومنه: ما يتعامل به الزراع في الريف من إعطاء بعض القمح لدارسه أو حامله , صرح الحنابلة بجوازه.