مجلة الأحكام العدلية (ص ٢٨٣)
يلزم أن يضيف الوكيل العقد إلى موكله في الهبة والإعارة والرهن والإيداع والإقراض والشركة والمضاربة والصلح عن إنكار , وإن لم يضفه إلى موكله لا يصح (م ١٤٦٠) .
البحر الرائق وحاشية منحة الخالق (٧ / ١٥١ , ١٥٢)
(والملك يثبت للموكل ابتداء , حتى لا يعتق قريب الوكيل بشرائه , وفيما يضيفه إلى الموكل كالنكاح والخلع والصلح عن دم العمد أو عن إنكار يتعلق بالموكل) أي والحقوق في كل عقد لا يستغني الوكيل عن إضافته إلى موكله , لأن الوكيل فيها سفير محض , ألا ترى أنه لا يستغني عن إضافة العقد إلى الموكل , ولو أضافه إلى نفسه كان النكاح له , فصار كالرسول. وهذا لأن الحكم فيها لا يقبل الفصل عن السبب , لأنه إسقاط , فيتلاشى , فلا يتصور صدوره من شخص وثبوت حكمه لغيره , فكان سفيرا.
وأشار بالكاف في قوله كالنكاح إلى بقية أفراد هذا النوع ولذا قال في الهداية: من أخواته العتق على مال والكتابة والصلح على إنكار والهبة والتصدق والإعارة والإيداع والرهن والإقراض , لأن الحكم فيها يثبت بالقبض وانه يلاقي محلا مملوكا للغير , فلا يجعل أصيلا , وكذا إذا كان الوكيل من جانب الملتمس , وكذا الشركة والمضاربة , إلا أن التوكيل بالاستقراض باطل , حتى لا يثبت الملك للموكل بخلاف الرسالة فيه. ومن هذا النوع الوكيل بالقبض , وقدمنا أحكامه.
وفي المجتبى: وكله أن يرتهن عبد فلان بدينه , أو يستعيره له أو يستقرض له ألفا , فإنه يضيف العقد إلى موكله دون نفسه , فيقول: إن زيدا يستقرض منك كذا , أو يسترهن عبدك , أو يستعير منك. ولو قال: هب لي أو أعرني أو أقرضني أو تصدق علي , فهو للوكيل.
قال ابن عابدين نقلا عن الدرر: وسره أن الحكم فيها لا يقبل الفصل عن السبب , لأنها من قبيل الإسقاطات , والوكيل أجنبي عن الحكم , فلا بد من إضافة العقد إلى الموكل , ليكون الحكم مقارنا للسبب. أما النكاح , فلأن الأصل في البضع الحرمة , فكان النكاح إسقاطا لها والساقط يتلاشى فلا يتصور صدور السبب عن الشخص على سبيل الأصالة ووقوع الحكم لغيره , فجعل سفيرا ليقارن الحكم السبب , حتى لو أضاف النكاح إلى نفسه وقع له بخلاف البيع , فإن حكمه يقبل الفصل عن السبب , كما في البيع بخيار , فجاز صدور السبب عن شخص أصالة ووقوع الحكم لغيره خلافه.
وأما الخلع , فلأنه إسقاط للنكاح , والناكح المرء , والمنكوحة المرأة , والوكيل إما منه أو منها , وعلى التقديرين يكون سفير محضا , فلا بد من الإضافة إلى الموكل. وأما الصلح عن إنكار , فإنه أيضا إسقاط لا يشوبه معاوضة , فلا بد من الإضافة إلى الموكل , وكذا الصلح عن دم العمد فإنه إسقاط محض , والوكيل أجنبي سفير , فلا بد من الإضافة إلى الموكل , وكذا الحال في البواقي. هذا ملخص ما ذكره القوم في هذا المقام.
ثم اعلم أن هذه المذكورات يفترق بعضها عن بعض من حيث أن ما كان منها إسقاطا يضيفه الوكيل إلى نفسه مع التصريح بالموكل , فيقول: زوجتك فلانة , وصالحته عما تدعيه على فلان من المال أو الدم. أما ما كان منها تمليكا لعين أو منفعة أو حفظ فلا يضيفه إلى نفسه بل إلى الموكل فقط , كقوله: هب لفلان كذا أو أودعه كذا أو أقرضه كذا , فلا بد في هذا من إخراج كلامه مخرج الرسالة , فلا يصح أن يقول: هبني كذا كما مر ولا هبني لفلان أو أودعني لفلان.
وعلى هذا فقولهم التوكيل بالاستقراض باطل معناه أنه في الحقيقة رسالة لا وكالة , فلو أخرج الكلام مخرج الوكالة لم يصح , بل لا بد من إخراجه مخرج الرسالة كما قلنا. وبه علم أن ذلك غير خاص بالاستقراض , بل كل ما كان تمليكا إذا كان الوكيل من جهة طالب التملك لا من جهة المملك , فإن التوكيل بالإقراض والإعارة صحيح , لا بالاستقراض والاستعارة , بل هو رسالة. هذا ما ظهر لي فتأمله.
مراجع إضافية
انظر درر الحكام (٣ / ٥٧١) شرح المجلة للأتاسي (٤ / ٤٢٣ - ٤٢٧) , تبيين الحقائق (٤ / ٢٥٧) , تكملة فتح القدير مع العناية والكفاية (٧ / ١٥) .