للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد تكون الأجرة جزءا محددا من الإنتاج كصاع من الدقيق الذي يطحنه العامل , أو مشاعا من الإنتاج كله كسدس الزيت الذي يعصره.

وقد اختلف الفقهاء في تحقيق مناط شرط العلم بالأجرة وتحديدها , ووجودها على الجزء من الإنتاج.

فمن رأى أن هذا الجزء مجهول غير معين أو معدوم حكم ببطلان الإجارة وهم جمهور الفقهاء , ومن رأى أن هذا الجزء معلوم مقدر موجود عند التعاقد حكم بصحة العقد وهم الحنابلة وبعض المالكية.

الأجرة جزء شائع من الإنتاج

إذا كانت الأجرة جزء شائع من الإنتاج , كأن يتفق عامل وصاحب عمل على أن تكون الأجرة مشاعا من الإنتاج كالثلث أو الربع:

ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية وهو أحد القولين عند المالكية إلى أن هذه الإجارة باطلة لجهالة الأجرة فيها إذ لا يعلم مقدار الخارج , والصفة التي يخرج عليها , لأن ذلك يختلف باختلاف المادة وكيفية العمل ومهارة العمال.

هذا وقد استدل المانعين لصحة هذا النوع من الإجارة بما روي عن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن عسب الفحل وعن قفيز الطحان وقد جاء في تفسير قفيز الطحان بأنه طحن الطعام بجزء منه مطحونا.

والسبب في المنع من ذلك هو عجز المستأجر عن تسليم الأجرة , وهو بعض ما ينتجه الأجير , والقدرة على تسليم الأجرة وقت إبرام العقد شرط في صحة الإجارة.

وعليه كل أجرة تكون بعض ما يخرج من عمل العامل لا تصح عندهم لأنها في معنى قفيز الطحان وقد نهي عنه.

وذهب فقهاء الحنابلة وبعض فقهاء المالكية إلى جواز هذه الإجارة لأن الأجرة بالمشاع من الإنتاج معلومة وليست كما قال غيرهم مجهولة , فالعامل قد شاهد الذي سيعمله , والرؤية أعلى طرق العلم , وإذا رآه فقد علمه , ومن علم شيئا علم جزأه المشاع.

والاختلاف في قدر الخارج منه والصفة التي يخرج عليها اختلاف يسير وغرر مغتفر مثله , فلا يضر لأنه لا يؤدي إلى النزاع ولا يمنع من تنفيذ العقد. وقد قاس الحنابلة ذلك على الشجر في المساقاة والأرض في المزارعة بجامع أن الكل عين تنمى بالعمل , والأجرة بعض الإنتاج.

وناقش المجوزين للإجارة بجزء شائع من الإنتاج قول المانعين واستنادهم في ذلك على حديث النهي عن قفيز الطحان , فقال ابن تيمية إن هذا الحديث باطل لا أصل له , وليس في شيء من كتب الحديث المعتمدة , ولا رواه إمام من الأئمة , والمدينة النبوية لم يكن بها طحان يطحن بالأجرة , ولا خباز يخبز بالأجرة. وأيضا فأهل المدينة لم يكن لهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مكيال يسمى القفيز , وإنما حدث هذا المكيال لما فتحت العراق وضرب عليهم الخراج , فالعراق لم يفتح على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا وغيره مما يبين أن هذا ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو من كلام بعض العراقيين الذين يسوغون مثل هذا قولا باجتهادهم.

كما رد المجوزين أيضا بأنه حتى على احتمال صحة حديث نهي عن قفيز الطحان فإنه ليس فيه نهي عن اشتراط جزء مشاع من الدقيق , بل النهي عن شيء مسمى وهو القفيز أي كيل معلوم.

الأجرة جزء محدد من الإنتاج

إذا كانت الأجرة جزء محدد من الإنتاج كأن يتفق العامل مع صاحب العمل على طحن أردب من القمح بخمسة آصع من دقيقه أو عصر الزيتون بكمية محددة من الزيت الناتج.

ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية وفي القول الراجح عند الحنابلة إلى عدم جواز هذه الإجارة لأنه يشترط في محل العقد أن يكون موجودا وقت التعاقد على الهيئة التي تم عليها العقد , والأجرة هنا ليست كذلك فالدقيق غير موجود وقت التعاقد على طحنه , والزيت ليس موجودا وقت التعاقد على عصر الزيتون , وهكذا كل أجرة ليست على الهيئة المشروطة حال العقد لا تصح.

وذهب المالكية إلى إجازة هذه الإجارة بشرط عدم الاختلاف في الصفة التي يخرج عليها , بأن يكون كله جيدا أو رديئا , ويكون كل الحب له دقيق , فإن اختلف في الصفة والخروج فلا يجوز للغرر. وهذا هو أيضا قول عند الحنابلة لأن الأجرة معلومة في الجزء المعين , وهو عدد الآصع , وليست مجهولة ولكنها أجزاء هذا القمح أو الزيتون.

وأساس اختلاف الفقهاء هنا هو الاختلاف في تحقيق مناط شرط العلم بالأجرة وتحديدها , ووجودها على الجزء المحدد من الإنتاج , فمن رأى أن هذا الجزء مجهول غير معين أو معدوم حكم ببطلان الإجارة وهم الحنفية ومن معهم , ومن رأى أن هذا الجزء معلوم القدر موجود عند التعاقد حكم بصحة العقد وهم المالكية وقول عند الحنابلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>