للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التحويل المصرفي صورة مستجدة من الخدمات المصرفية التي يحتاج إليها الناس اليوم لم يعرفها الفقهاء من قبل , إذ هي معاقدة متكاملة الأجزاء , تتركب من عقدين أو أكثر , وتقوم على الإفادة من وجود شبكة متعاونة من المصارف العاملة في مختلف البلاد , توفر لعملائها خدمة إرسال النقود دون تحريك حسي لها من بلد إلى آخر , وتتم تسوية المستحقات فيها عن طريق المصرف الوسيط بين الطرفين.

تحويل مبلغ نقدي أو من الحساب إلى المستفيد بنفس العملة

إن دفع طالب التحويل إلى المصرف الآمر مبلغا معينا من المال أو اقتطاعه من حسابه الجاري لديه ليحوله بنفس العملة إلى المستفيد المعين لقاء أجر معلوم ليس حوالة بالمعنى الفقهي , بل هو توكيل بعمل معلوم لقاء أجر معلوم , ينشأ عنه توكيل آخر من قبل ذلك المصرف للمصرف المسحوب عليه في دفع المبلغ المحدد في الصك أو التلكس أو الخطاب إلى من ذكر اسمه فيه - سواء أكان هو الطالب أم الشخص الآخر الذي عينه - وهذا التوكيل مصرح في الشيك ونحوه بما يدل عليه , وإنما سلم هذا الشيك لطالب التحويل تمكينا له من استيفاء حقه.

وعلى ذلك تعتبر الحوالة المصرفية وكالة بأجر وبما أن المصرف الآمر يعمل وكيلا بأجر , فإنه يأخذ في علاقته مع طالب التحويل حكم الأجير , لأن الوكالة بأجر في النظر الفقهي تأخذ أحكام الإجارة.

نظرا لكون المصرف أجيرا يعمل لعموم الناس في تقديم خدمات التحويل المصرفي , فإنه يعتبر أجيرا مشتركا , وتسري عليه أحكامه , ومن هنا كان عمله المشار إليه مضمونا عليه لاستحقاقه عليه الأجر , ويكون ضامنا لمبلغ الحوالة الذي قبضه من طالبها حتى يتسلمه المستفيد.

إن أمر المصرف المحول المسبوق يقبض مبلغ الحوالة إلى المصرف المسحوب عليه بسداد قيمة الحوالة في البلد الآخر بنفس العملة للمستفيد مباشرة أو عبر المصرف المنفذ يعتبر سفتجة بالنظر الفقهي إذا كان المصرف الآمر بالوفاء دائنا للمصرف المأمور , والسفتجة مشروعة على الراجح من أقوال الفقهاء (ف ٦) .

وإن لم يكن دائنا له , كان ذلك اقتراضا من المصرف المغطي مع توكيله بسداد مبلغ القرض المحول للمستفيد المعين وذلك مقبول شرعا أيضا.

تحويل مبلغ نقدي أو من الحساب إلى المستفيد بعملة مغايرة

إذا كان طالب التحويل راغبا في تحويل عملة أخرى غير التي عنده , فيجب عليه قبل التحويل إجراء مصارفه ناجزة مع البنك بين العملة التي يملكها والعملة التي يرغب حوالتها بسعر الصرف الحاضر يوم إجراء الحوالة ,

ويعتبر إقباضه العملة التي عنده للمصرف المحول حسيا أو حكميا (بالاقتطاع من حسابه الجاري لديه) عقب ذلك وتسلمه شيك الحوالة بالعملة الأخرى المستحقة بدلها تقابضا لبدلي الصرف , حيث إن قبض ورقة الشيك كقبض مضمونه عرفا , فيكون الصرف قد استوفى شريطته الشرعية وهي التقابض بين البدلين في المجلس.

ويعتبر في حكم تسلم شيك الحوالة من قبل طالب التحويل إبراق المصرف القابض للمصرف المسحوب عليه بسداد الحوالة فورا للمستفيد.

والخلاصة:

أن التحويل المصرفي عملية مركبة من عقدين أو أكثر , وهو معاقدة حديثة , بمعنى أنه لم يجر به العمل على هذا الوجه في العصور السابقة , ولم يدل دليل على منعه , فهو صحيح جائز شرعا من حيث أصله وينبغي التنبه إلى وجوب خلوه من ربا الديون مثل اشتراط الفائدة بأنواعها على المبلغ المحول إذا تأخر دفعه أو تقدم , كذا خلو عملية الصرف المصاحبة للحوالة من ربا البيوع إذا كان هناك مصارفة عند الابتداء أو عند الانتهاء , بتحقيق التقابض الحقيقي أو الحكمي بين البدلين في الصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>