للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مستند جواز عقد الاستصناع الموازي

يستند عقد الاستصناع الموازي على أساس أنه لا يشترط في الاستصناع أن يكون العقد مع صانع. فيصح شرعا أن يتعاقد الراغب في الاستصناع مع شخص من غير أهل الصنعة , ثم يذهب هذا الملتزم للصنعة يبحث عن شخص يصنع له المطلوب فيأخذه ويسلمه للمستصنع.

ولم تتعرض كتب الحنفية لهذا الأمر , وإن كانت في تعريف الاستصناع تذكر أنه (التعاقد مع صانع. . الخ) , وفي ذكر الأمثلة تذكر (التعامل مع صانع. .) , لكن ذلك لا ينبغي حمله على أن ذلك شرط لصحة العقد , خاصة وقد نصوا على أنه لو جاء بشيء من صنعة غيره كفى. وكذلك ذكر الفقهاء شروط الاستصناع وحصروها ولم ينصوا على اشتراط كون العقد مع الصانع.

كذلك لم تذكر كتب الفقه شيئا عن مسألة قيام الصانع باستصناع غيره. ولكن الفقهاء في باب الإجارة ذكروا أن الأجير إذا شرط عليه مستأجره أن يعمل بنفسه لزمه ذلك , لأن العامل يتعين بالشرط. فإن لم يشترط المستأجر ذلك فيجوز للأجير أن يستأجر من يعمل العمل. قالوا: لأن المستحق عمل في الذمة وهذا ما لم يكن العمل ملاحظا فيه خصوصية العامل , ومثال ذلك الاستئجار على نسخ الكتب الخطية. وكذا كل ما يختلف باختلاف العامل.

فكذلك يقال في الاستصناع إن للمستصنع أن يشترط في العقد عمل الصانع نفسه , أو عمل صانع معين , فإن قبل الطرف الآخر ذلك لزمه , ولم يكن له أن يستصنع غيره. أما إن لم يشترط في عقد الاستصناع ذلك يكون للصانع أن يستصنع غيره من أهل الصنعة والقدرة الفنية , وهذا ما لم تكن خصوصية الصانع ملاحظة في التعاقد , كما في بعض الصناعات التي تعتمد على القدرات الشخصية , وتختلف من صانع لآخر , ككتابة اللافتات الإعلانية بخط اليد , وصناعة التحف الفنية التي تميز بها الصانع المعين , والمطرزات اليدوية , ونحو ذلك.

وبمثل هذا أخذ القانون المدني الأردني في شأن المقاولة , ومنها الاستصناع. على أن ضمان العيوب للمستصنع والمسئولية تجاهه عن نقص الأوصاف المشروطة تبقى على الصانع في جميع الأحوال.

وهذا الرأي يتيح لأهل التجارات , وأرباب الأموال , وللمصارف الإسلامية , استعمال أسلوب التعاقد بالاستصناع الموازي بينهم وبين المحتاجين إلى المصنوعات من المستهلكين أو التجار.

ويجب الحذر في الاستصناع المتوازي من أمور:

أ - الربط بين العقدين , فيجب أن يكون كل من العقدين منفصلا عن الآخر وغير مبني عليه. فتكون مسئولية المصرف ثابتة قبل المستصنع. ولا شأن للمستصنع بالصانع في العقد الثاني. وإذا لم يقم الصانع بالعمل أو لم ينجزه في الموعد فعلى المصرف إنجازه.

ب - يفضل أن لا يكلف المصرف المستصنع بالتعاقد مع الصانع , أو متابعته , ولا يوكله بالإشراف على المصنوع أو قبضه , أو نحو ذلك.

وهذان الأمران لئلا يتقلص دور المصرف في العملية الصناعية , ويتحول من مستصنع حقيقة إلى مقرض بالفائدة.

ج - يفضل أن لا ينتظر المصرف الإسلامي ليأتيه شخصان قد اتفقا بينهما أحدهما صانع والآخر مشتر يريد تمويلا ليدفع المصرف للصانع مقدما , ثم ينتظر الوفاء من الآخر بالزيادة. بل على المصرف أن يكون لديه (دائرة خاصة بالعمليات الاستصناعية) يأتي إليها الراغبون في إنشاء المباني , أو الصيانة العامة , أو تعبيد الطرق , أو مد سكك الحديد , أو بناء المطارات , أو صناعة السلع الاستهلاكية , أو غير ذلك. فيطلبوا منه هذه الأعمال استصناعا , ويكون للبنك علاقات مع من يستطيع تنفيذ مثل تلك الأعمال فيساومهم عليها , أو يعلن عن مناقصات لتنفيذها. فيعقد معهم عقود الاستصناع على مسئوليته الخاصة.

د - لا يجوز أن يضرب لتسليم السلعة أجل بعيد بغرض إتاحة الفرصة له لينتفع بالتمويل المبكر , لكن يكون الأجل فقط بقدر المدة التي يحتاج إليها في التصنيع فعلا , فإن زادت عن ذلك كان العقد سلما ووجبت مراعاة شروطه وأحكامه.

<<  <  ج: ص:  >  >>