للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جاء في القوانين الفقهية لابن جزي ص ٢٧٤ - ٢٧٥

يشترط في المستأجر والأجير ما يشترط في المتبايعين , ويكره أن يؤاجر المسلم نفسه من كافر. ويشترط في الأجرة والمنفعة ما يشترط في الثمن والمثمون على الجملة. وأما على التفصيل فيشترط في الأجرة أن تكون معلومة , خلافا للظاهرية , ولا يجب تقديم الأجرة بمجرد العقد , وإنما يستحب تقديم جزء من الأجرة باستيفاء ما يقابله من المنفعة.

وأما المنفعة فيشترط فيها:

الأول - أن تكون معلومة إما بالزمان كالمياومة والمشاهرة , وإما بغاية العمل كخياطة الثوب , ولا يجوز أن يجمع بينهما , لأنه قد يتم العمل قبل الأجل أو بعده , وإذا استأجر على رعاية غنم بأعيانها لزمه رعاية الخلف عند ابن القاسم.

الثاني - أن تكون المنفعة مباحة , لا محرمة , ولا واجبة.

أما المحرم فلا يجوز إجماعا , وأما الواجب كالصلاة والصيام فلا تجوز الأجرة عليه وتجوز الإجارة على الإمامة مع الأذان والقيام بالمسجد , لا على الصلاة بانفرادها , ومنعها ابن حبيب مفترقا ومجتمعا , وأجازها ابن الحكم مفترقا ومجتمعا.

وقال القرافي في الفروق (٣ / ٤)

متى اجتمعت في المنفعة ثمانية شروط ملكت بالإجارة , ومتى انخرم منها شرط لا تملك:

الأول - الإباحة: احترازا من الفن وآلات الطرب ونحوها.

الثاني - قبول المنفعة للمعاوضة: احترازا من النكاح.

الثالث - كون المنفعة متقومة: احترازا من التافه الحقير الذي لا يقابل بالعوض , واختلف في استئجار الأشجار لتجفيف الثياب , فمنعه ابن القاسم ومثله في عصرنا تجفيف طيات القمر الدين.

الرابع - أن تكون مملوكة: احترازا من الأوقاف على السكنى , كبيوت المدارس والخوانق.

الخامس - ألا يتضمن استيفاء عين: احترازا من إجارة الأشجار لثمارها , أو الغنم لنتاجها واستثني من ذلك إجارة المرضع للبنها للضرورة في الحضانة.

السادس - أن يقدر على تسليمها: احترازا من استئجار الأخرس للكلام.

السابع - أن تحصل للمستأجر: احترازا من العبادات , والإجارة عليها كالصوم ونحوه.

الثامن - كونها معلومة: احترازا من المجهولات من المنافع , كمن استأجر آلة لا يدري ما يعمل بها , أو دارا مدة غير معلومة.

فهذه الشروط إذا اجتمعت جازت المعاوضة , وإلا امتنعت.

وجاء في المنهاج للنووي ومغني المحتاج (٢ / ٣٣٢ - ٣٣٤)

شرط الركن الأول - وهو المؤجر والمستأجر: كبائع ومشتر

وشرط الركن الثاني - وهو الصيغة: كونها بنحو آجرتك هذا أو أكريتك أو ملكتك منافعه سنة بكذا , فيقول: قبلت أو استأجرت أو اكتريت. والأصح انعقادها بقوله: آجرتك منفعتها , ومنعها بقوله: بعتك منفعتها.

وهي قسمان: واردة على عين كإجارة العقار ودابة أو شخص معينين , وعلى الذمة كاستئجار دابة موصوفة , وبأن يلزم ذمته خياطة أو بناء.

ولو قال: استأجرتك لتعمل لي كذا , فإجارة عين , وقيل: ذمة. ويشترط في إجارة الذمة تسليم الأجرة في مجلس العقد , وإجارة العين لا يشترط فيها ذلك. ويجوز فيها التعجيل والتأجيل إن كانت في الذمة. وإذا أطلقت تعجلت.

وشرط الركن الثالث - وهو الأجرة:

كون الأجرة التي في الذمة معلومة جنسا وقدرا وصفة كالثمن في البيع , فإن كانت معينة , كفت مشاهدتها إن كانت على منفعة معينة على المذهب , أو في الذمة على الأصح.

فلا تصح إجارة الدابة بنحو العلف , ولا يصح استئجار سلاخ ليسلخ الشاة بالجلد الذي عليها , ولا طحان على أن يطحن البر مثلا ببعض الدقيق منه كربعه , أو بالنخالة منه للجهل بثخانة الجلد وبقدر الدقيق والنخالة ولعدم القدرة على الأجرة حالا.

وشروط الركن الرابع وهو المنفعة خمسة:

الأول - كون المنفعة متقومة: فلا يصح استئجار بياع على كلمة لا تتعب , وإن روجت السلعة.

وفي الإحياء لا يجوز أخذ عوض على كلمة يقولها طبيب بدواء ينفرد به بمعرفته , إذ لا مشقة عليه في التلفظ به. وكذا دراهم ودنانير للتزيين للحوانيت ونحوها , وكلب معلم للصيد ونحوه كحراسة ماشية أو زرع أو درب , لا يجوز استئجار كل من ذلك في الأصح في الجمع , لأن منفعة التزيين بالنقود غير متقومة فلا تقابل بمال بخلاف إعارتها للزينة , والكلب لا قيمة لعينه , فكذا لمنفعته.

الثاني - كون المؤجر قادرا على تسليمها حسا أو شرعا , ليتمكن المستأجر منها. والقدرة على التسليم تشمل ملك الأصل وملك المنفعة.

فلا يصح استئجار آبق ومغصوب وأعمى للحفظ , وأرض للزراعة لا ماء لها دائم , ولا يكفيها المطر المعتاد.

ويجوز بالماء الدائم وبالمطر المعتاد , وماء الثلوج المجتمعة , والغالب حصولها في الغالب.

والامتناع الشرعي كالحسي , فلا يصح استئجار لقلع سن صحيحة , ولا حائض لخدمة المسجد , ولا منكوحة لرضاع أو غيره بغير إذن الزوج في الأصح.

ويجوز تأجيل المنفعة في إجارة الذمة كألزمت ذمتك الحمل إلى مكة أو شهر كذا. ولا يجوز إجارة عين لمنفعة مستقبلة.

ويجوز كراء العقب في الأصح: وهو أن يؤجر دابة رجلا ليركبها بعض الطريق , أو رجلين ليركب هذا أياما , وذا أياما , ويبين البعضين , ثم يقتسمان.

الثالث - كون المنفعة في كل من إجارة العين أو الذمة فيما له منافع كدار معلومة عينا وصفة وقدرا , ثم تارة تقدر بزمان كدار سنة , وتارة بعمل كدابة إلى مكة وكخياطة ذا الثوب , فلو جمعها , فاستأجره ليخيطه بياض النهار , لم يصح في الأصح. ويقدر تعليم القرآن بمدة أو تعيين سور , وفي البناء يبين الموضع والطول والعرض والسمك , وما يبني به إن قدر بالعمل.

الرابع - يشترط في إجارة دابة لركوب معرفة الراكب بمشاهدة أو وصف تام , ومعرفة ما يركب عليه من محمل وغيره إن كان له.

الخامس - يشترط في إجارة العين تعيين الدابة , وفي إجارة الذمة ذكر الجنس والنوع والذكورة أو الأنوثة.

ويشترط فيهما بيان قدر السير كل يوم , إلا أن يكون بالطريق منازل مضبوطة فينزل عليها.

ويجب في الإيجار للحمل أن يعرف المحمول وجنسه إن كان غائبا , لاختلاف تأثيره في الدابة. كما في الحديد والقطن , فإن الحديد يثقل في محل أقل من القطن والقطن يعمها ويتثاقل بالريح. فلو قال مئة رطل مما شئت , صح , وبدون: مما شئت , ويكون رضا منه بأقل الأجناس.

وقال في منار السبيل لابن ضويان الحنبلي (١ / ٣٨٣ - ٣٨٦)

شروط الإجارة ثلاثة:

أ - معرفة المنفعة:

لأنها المعقود عليها , فاشتراط العلم بها كالبيع , مثل بناء حائط يذكر طوله وعرضه , وسكنى دار شهرا وخدمة آدمي سنة , لأنها معلومة بالعرف فلا تحتاج لضبط.

ب - معرفة الأجرة:

قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافا , ولأنه عوض في عقد معاوضة فاعتبر علمه كالثمن وعن أبي سعيد مرفوعا: نهى عن استئجار الأجير حتى يبين له أجره رواه أحمد.

ج - وكون النفع مباحا:

فلا تجوز على المنافع المحرمة , كالغناء والزمر والنياحة , ولا إجارة داره لتجعل كنيسة , أو بيت نار , أو يبيع فيها الخمر ونحوه , لأنه محرم , فلم تجز الإجارة لفعله , كإجارة الأمة للزنا.

ويشترط كون النفع يستوفى دون الأجزاء:

فلا يجوز عقد الإجارة على ما تذهب أجزاؤه بالانتفاع به , كالمطعوم والمشروب والشمع ليشعله , والصابون ليغسل به , لأن الإجارة عقد على المنافع , فلا تجوز لاستيفاء العين. ولا يصح إجارة ديك ليوقظه للصلاة. نص عليه. لأنه غير مقدور عليه.

فتصح إجارة كل ما أمكن الانتفاع به مع بقاء عينه , كالدور والحوانيت والدواب , إذا قدرت منفعته بالعمل كركوب الدابة لمحل معين , لأنها منفعة مقصودة. أو قدرت بالأمد , وإن طال حيث كان يغلب على الظن بقاء العين إلى انقضاء مدة الإجارة.

هذا قول عامة أهل العلم , قاله في الشرح , لقوله تعالى {على أن تأجرني ثماني حجج} الآية (القصص: ٢٧) .

ثم قالوا كالشافعية: الإجارة ضربان:

الأول - على عين:

فإن كانت موصوفة , اشترط فيها استقصاء صفات السلم , لاختلاف الأغراض باختلاف الصفات , ولأن ذلك أقطع للنزاع , وأبعد عن الغرر , فإن لم توصف أدى إلى التنازع.

الثاني - على منفعة في الذمة:

فيشترط ضبطها بما لا يختلف , كخياطة ثوب بصفة كذا , أو بناء حائط بذكر طوله وعرضه وسمكه وآلته , وحمل شيء يذكر جنسه وقدره , وأن الحمل لمحل معين , لما تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>