للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالنسبة لتبرع أحد طرفي المضاربة بحصته من الربح لمصلحة الطرف الآخر فإن الأصل في المضاربة أن يكون الربح مشتركا بين العاقدين , ولا يجوز بالتالي اختصاص أحد الطرفين بالربح دون الآخر عند جمهور الفقهاء خلافا للمالكية الذين أجازوا ذلك وقالوا بأنه من باب الهبة , ويجرى العقد على حكم الهبة.

وعليه تكون أقوال الفقهاء في هذه المسألة على النحو التالي:

لا يجوز عند الحنفية اختصاص أحد المتعاقدين بالربح دون الآخر ومثل هذا الشرط يخرج العقد عن المضاربة رغم أنه جاء بصيغتها لأن العبرة في العقود للمعاني , ويكون العقد قرضا إذا اشترط الربح كله للمضارب , أو يكون عقد أبضاع إذا اشترط الربح كله لرب المال.

كما لا يجوز عند الحنابلة والشافعية اختصاص أحد المتعاقدين بالربح دون الآخر مع استخدام كلمة مضاربة ويكون العقد فاسدا ولا يصرف إلى عقد آخر لأن إرادتهما تنصب على المضاربة لا غير.

أما إذا لم تستخدم كلمة المضاربة صراحة فإن العقد يحول إلى عقد قرض أو أبضاع حسب اختصاص الربح لأحد الطرفين.

يجوز عند المالكية اختصاص أحد الطرفين بالربح ويجب الالتزام به لأنه من باب الهبة ويجرى العقد على حكم الهبة.

وعليه يشبه العقد القرض إذا تبرع رب المال بما يكون له من ربح ويبقى رأس المال مضمونا عليه بحكم عقد المضاربة , أما إذا تبرع المضارب بما يكون له من ربح وتطوع بالعمل مجانا فيلتقى عقد المضاربة مع الأبضاع.

أما بخصوص تبرع المتعاقدين بتخصيص جزء من الأرباح لطرف ثالث كجهة خيرية مثلا أو صندوق وقفي أو صندوق مخصص لشأن من شؤون النفع العام:

فإن المالكية وحدهم قد أجازوا ذلك أيضا فلم يمنعوا اشتراط جزء من الربح أو كله إلى الغير , ويكون الشرط صحيح والعقد صحيح لأن المتعاقدين يكونان قد تبرعا بذلك الجزء من الربح فكان هبة وقربة لله تعالى فلا يمنعان من ذلك.

بينما اشترط الجمهور أن يكون الربح مختصا بالمتعاقدين حيث أنه

- لا يستحق الغير شيئا من الربح عند الحنفية لأنه لم يقدم عملا أو مالا أو ضمانا , والربح لا يستحق إلا بأحدها. فالشرط فاسد: ويعود الجزء المشروط للغير إلى رب المال لأنه نماء ماله , والعقد صحيح: لأن ذلك لا يعود بالجهالة على الربح , فيستحق كلا المتعاقدين ما اشترطا لهما ووافقا عليه.

- لا يستحق الغير شيئا من الربح أيضا عند الشافعية والحنابلة لنفس الأسباب التي استدل بها الحنفية. فالشرط فاسد: ويعود الجزء المشروط للغير لكلا المتعاقدين لأنهما كانا متبرعين به. والعقد فاسد: لأن ذلك يعود بجهالة نصيب المتعاقدين من الربح حيث أنهما لم يتفقا على وجه قسمة الجزء المشروط للغير بينهما , فتعود الجهالة إلى الكل.

<<  <  ج: ص:  >  >>