عالج الفقهاء القدامى مسألة توزيع المصروفات في موضعين , الموضع الأول عند حديثهم عن نفقة المضارب , والموضع الثاني عند تحديدهم لما يملكه المضارب وما لا يملكه من التصرفات ولا سيما التصرف الخاص باستئجار المضارب من يساعده في كل ما كان لمصلحة المضاربة ولا يقدر القيام به بمفرده.
كما عالج الفقهاء المعاصرون هذه المسألة على نحو مماثل , ففرقوا بين نوعين من المصروفات: أحدهما المصروفات الخاصة بأعمال المضاربة ذاتها , والثانية المصروفات المتعلقة بالمضارب نفسه.
المصروفات الخاصة بأعمال المضاربة
المصروفات الخاصة بأعمال المضاربة هي التكاليف المباشرة المتعلقة بتنفيذ وتشغيل العمليات الاستثمارية المكونة للمضاربة أي للصندوق الاستثماري , وهذه تحمل بطبيعة الحال على المضاربة نفسها ويكون عبئها على الطرفين: المشاركين بصفتهم أرباب المال والجهة المصدرة بصفتها المضارب.
وعلى هذا الأساس تخصم هذه المصاريف من الربح إن كان هناك ربح , فينتقص ربح الطرفين بتوزيع الربح الصافي المتبقي بعد خصم المصاريف.
أما إن لم يحصل ربح , فإن هذه المصاريف تخصم من رأس المال فيخسر المضارب جهده وعمله ويتحمل رب المال الخسارة كما هو معتمد في أصل المضاربة.
ولا يجوز في هذه الحالة أن تحمل هذه المصروفات على المضارب لأنها قد تكون أكبر من حصته في الربح فلا يكون له نصيب منه بينما يتمتع رب المال بحصته في ذلك , وهذا يقطع المشاركة في الربح.
ب المصروفات المتعلقة بالمضارب نفسه
أما بالنسبة للمصروفات المتعلقة بالمضارب نفسه , وهي التكاليف الإدارية اللازمة لممارسة المضارب نشاطه في إدارة ومتابعة أعمال المضاربة مثل المصروفات الخاصة بوضع الخطط ورسم السياسات واختيار مجالات الاستثمار , واتخاذ القرارات الاستثمارية ومتابعة تنفيذها وحساب الأرباح والخسائر وتوزيعها وكذلك مصروفات إدارات الاستثمار والأجهزة التي تعتمد قرارتها وإدارة المتابعة وإدارة المحاسبة.
فالأصل في هذا النوع من المصاريف أن يتحملها المضارب نفسه لأنها تخص أعمال واجبة عليه , وهو يستحق في مقابل قيامه بتلك الأعمال حصته المتفق عليها من الربح , فوجب أن تغطى هذه المصاريف بجزء من حصته في الربح.
وقد ذكر الفقهاء في مسألة استئجار المضارب من يساعده في أعمال المضاربة , أنه إذا كان العمل المطلوب خفيفا وسهلا ولا يشق على المضارب , وجرت العادة أن يتولى بنفسه تلك الأعمال فإنه لا يصح أن يؤجر من مال المضاربة أشخاصا آخرين يقومون بتلك الأعمال , لأن الربح الذي يستحقه المضارب هو في مقابل تلك الأعمال ويجب أن يتحمل عمله , فإذا ما أنفق عليها يكون الإنفاق من ماله الخاص وليس من مال المضاربة.
ولكنهم أضافوا أيضا أنه إذا كان العمل المطلوب يشق عليه وليس في طاقته وإمكاناته القيام به بنفسه , فيجوز للمضارب استئجار من يساعده للقيام به إذا كان ذلك من مصلحة المضاربة , ويكون الإنفاق هنا من مال المضاربة , وليس من ماله الخاص.
وعلى أساس هذا القول الأخير , يمكن تفسير ما ذهبت إليه الفتوى الصادرة عن الحلقة العلمية الأولى للبركة حيث تنص بأنه: " إذا اقتضت طبيعة المضاربة الاستعانة بخبرات في المجالات السابقة التي تلزم المضارب والتي لم تكن متاحة في هيكله الوظيفي وقت الدخول في المضاربة فان تكلفة هذه الخبرات تكون من مال المضاربة ".
وحيث إنه قد يحدث الاشتباه في نوع المصروفات التي يتطلب أن يتحملها المضارب أو تتحملها المضاربة , فإنه يمكن حل ذلك:
بالرجوع إلى ما يراه الخبراء ووفقا لما تقرره هيئات الرقابة الشرعية , وهذا هو الحل الوارد في فتوى ندوة البركة الرابعة التي تنص على أنه " يرجع إلى ما يراه الخبراء عند الاشتباه في نوع المصروفات التي تتطلب أن يتحملها المضارب أو تتحملها العملية الاستثمارية وفقا لما تقرره هيئة الرقابة الشرعية في المصرف الإسلامي ذي العلاقة "
أو بالنص صراحة في عقد المضاربة أو لائحة الصناديق الاستثمارية على الجهة التي تتحمل تلك المصروفات , وذلك عملا برأي الحنابلة القائل بجواز تحميل نفقة المضارب على مال المضاربة إذا تم اشتراط ذلك في العقد لحديث المسلمون على شروطهم وفي حالة عدم النص على ذلك في العقد فإن مصاريف المضارب تحسب من ماله الخاص.