للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بحث هذا الموضوع الفقهاء المعاصرون وبعض هيئات الفتوى والرقابة الشرعية للبنوك والمؤسسات الإسلامية , والاتجاه العام هو أن يتحمل المضارب (الجهة المصدرة للصندوق) مصاريف التأسيس إذا لم يتم النص على غير ذلك في نشرة الاكتتاب أو لائحة الصندوق.

ويعتمد هذا الرأي على قول الحنابلة بجواز تحميل نفقة المضارب على مال المضاربة عند اشتراط ذلك في العقد لحديث المسلمون على شروطهم أما في حالة عدم النص فإن مصاريف المضارب يجب أن تحسب عندهم من ماله الخاص.

وفي حالة النص على تحمل أرباب المال مصاريف التأسيس , تبرز بعض الإشكالات التي تتطلب الحل الشرعي:

- هل تحمل تلك المصاريف على المشاركين فقط فيدفعون قيمتها عند الاكتتاب , ولا تتحمل جهة الإصدار شيئا من ذلك؟ أم إنها تحسم من الأرباح التي تتحقق بعدئذ قبل التوزيع فيتحمل أثرها كل من جهة الإصدار وأرباب المال؟

- وهل يجب أن تقابل مصاريف التأسيس مصروفات فعلية محددة بمبلغ معين تم تحملها من قبل جهة الإصدار؟ أم هل يكفي تقديرها بشكل تقريبي خصوصا إذا ما تداخلت أعمال الجهة المصدرة وتعذر التفصيل الدقيق لتكاليف إنشاء صناديق متعددة وأعمال مختلفة؟

ويبدو أن هناك منهجين مقبولين من الناحية الشرعية:

المنهج الأول: توزيع عبء مصاريف التأسيس على الطرفين

يرى هذا المنهج توزيع عبء مصاريف التأسيس على الطرفين (الجهة المصدرة وأرباب المال) لأن كل منهما مستفيد من الأعمال التحضيرية التأسيسية للصندوق , فهذه المصاريف تحسم من صافي الأرباح التي تتحقق وذلك قبل التوزيع لها بالنسب المقررة.

وبهذه الطريقة يتحمل المضارب جزءا منها بحسب نسبته من الربح , وكذلك أرباب الأموال بحسب نسبتهم , لأن حسمها من الأرباح يعود بالنقص على الطرفين بنسبة ربح كل منهما.

ويرى أصحاب هذا التوجه ربط مصاريف التأسيس بالمصاريف الفعلية , بمعنى تحديدها بما تم صرفه فعلا سواء كان لتغطية جهود الغير أو جهود المضارب نفسه بأن تقوم بأجر المثل.

وهذه الطريقة أعدل لربطها من ناحية بالمصاريف الفعلية , ولتوزيع عبئها على الطرفين بحسب نصيبهما في الربح من ناحية ثانية. وعلى هذا جاءت إحدى فتاوى الحلقة الفقهية الأولى لمجموعة دله البركة إذ نصت على أنه: " يجوز أن تحمل مصروفات إنشاء وتسويق الصناديق والأوعية الاستثمارية على مال المضاربة إذا تضمنتها نشرة الإصدار وكانت مصاريف فعلية محددة بمبلغ معين أو بحد أقصى يذكر في النشرة , فإذا لم تتضمنها نشرة الإصدار كانت هذه المصروفات على المضارب ".

كما ذهب إلى هذا التوجه هيئة الفتوى والرقابة الشرعية لشركتي التوفيق والأمين عند دراستها لمسألة دراسة مسألة تثبيت مصاريف تأسيس الصناديق بنسبة مئوية مقطوعة من رأس المال على أن تكون هذه النسبة متضمنة في نشرة الصندوق واللائحة العامة.

وقد أجابت الهيئة بما يلي: " لا مانع من تثبيت مصاريف تأسيس وإنشاء الصناديق على أساس نسبة مئوية مقطوعة من رأس مال الصندوق مع إعلام المساهمين بها في النشرة واللائحة شريطة إعادة النظر في تلك النسبة عند انتهاء مرحلة التأسيس باقتطاع المصاريف الفعلية ورد الفرق إلى حساب الاحتياطي أو الربح القابل للتوزيع ".

المنهج الثاني: تحميل مصاريف التأسيس على المشاركين

يرى تحميل مصاريف التأسيس على أرباب المال المشاركين في الصندوق , حيث ينظر إلى هذه المصاريف على أنها خدمات سابقة على المضاربة قام بها المضارب وطلب لقاءها مقابلا حسب تقديره كثمن أو أجر لتلك الخدمات , وعرض على أرباب الأموال الاستفادة منها بتحمل نصيب من هذا المقابل.

فإن قبلوا دخلوا في المشاركة , وإلا أحجموا عن الدخول أو طالبوا بإنقاصها إلى القدر الذي يرتضونه ويقبله المضارب.

وقد اقترح المستشار الشرعي لمجموعة البركة هذا المنهج كأسلوب ثان ممكن التعامل به مع ما سبق , وهو يعتبر أن هذا المنهج من قبيل المساومة لأن المصاريف تحدد هنا من خلال ما يقده المضارب من أجر للخدمات التي قدمها وليست مرتبطة بالمصاريف الفعلية , كما أن عبئها يكون على أرباب المال فقط.

وقد ذكر صاحب هذا القول بأن هذا يشبه ما يقوم به أحد الشركاء أو الجيران من عمل في المال المشترك ويمكنهم من أن يستفيدوا منه بدفع ما يحدده من ثمن لتلك المنفعة.

وكأنه من عمل الفضولي الذي يسري على من قصدهم به بإجازتهم له , (والإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة) .

<<  <  ج: ص:  >  >>