للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطريقة الأولى: توزيع دفعات على الحساب

بالنسبة للطريقة الأولى التي يتم فيها توزيع دفعات على الحساب إلى أن تتم التصفية النهائية للصندوق , فقد أجازها الشافعية والحنابلة طالما أن الربح لا يستقر بالقسمة بحيث تجبر أي خسارة لاحقة بالربح الأول الموزع لأن الربح كما ذكروا يجب أن يكون وقاية لرأس المال.

وقد عرضت في إحدى ندوات البركة مسألة التزام المضارب بدفع نسبة ثابتة من رأس المال للبنك [بصفته رب المال] على حساب الأرباح على أن تتم التسوية والسداد لاحقا؟ وصدرت الفتوى التالية:

" لا مانع شرعا من التزام المضارب بأن يدفع للبنك نسبة ثابتة من رأسمال المضاربة على حساب الأرباح على أن تتم التسوية لاحقا مع التزام البنك بتحمل الخسارة إذا وقعت ".

وفي نفس هذا الموضوع , بحثت الحلقة العلمية الأولى للبركة مسألة توزيع الدخل التشغيلي بنسبة تحت الحساب إلى حين التنضيض وأصدرت الفتوى التالية:

" إذا كان موضوع المضاربة أصولا تدر دخلا جاز الاتفاق على توزيع هذا الدخل بين المضارب ورب المال بنسبة معينة تحت الحساب , وعلى توزيع ما ينتج من ربح عند بيعها بنسبة أخرى , وإذا بيع الأصل بأقل من ثمن شرائه فإن هذا النقصان يجبر من الدخل التشغيلي ".

كما تم إقرار هذا المبدأ في الفتوى الصادرة عن مجمع الفقه الإسلامي في القرار رقم٥ الذي بين المسألة بكل وضوح كالآتي:

" يستحق الربح بالظهور , ويملك بالتنضيض أو التقويم ولا يلزم إلا بالقسمة.

وبالنسبة للمشروع الذي يدر إيرادا أو غلة فانه يجوز أن توزع غلته.

وما يوزع على طرفي العقد قبل التنضيض (التصفية) يعتبر مبالغ مدفوعة تحت الحساب ".

الطريقة الثانية: توزيع الربح بشكل نهائي في فترات دورية

أما بخصوص الطريقة الثانية التي يوزع فيها الربح بشكل نهائي في فترات دورية محددة بحيث تكون كل دورة من دورات توزيع الأرباح مستقلة عن الأخرى دون اللجوء إلى التصفية الفعلية للصندوق نفسه , فإننا نواجه هنا بعض العقبات والإشكالات الشرعية حيث يشترط في الفقه الإسلامي توافر شرطين لكي يستقر ملك الطرفين في حصتهما من الربح , وهما:

- شرط تنضيض مال المضاربة (تصفية المضاربة) .

- شرط قبض رب المال لأصل ماله (استعادة رأس المال) .

ومن المعلوم أنه في الصناديق الاستثمارية متوسطة وطويلة الأجل - التي توزع فيها الأرباح دوريا - يتعذر عمليا القيام في نهاية كل دورة بالتصفية الكلية لجميع مكونات الصندوق كما يتعذر إعادة كل رأس مال الصندوق لأصحابه.

فكيف إذن عالج الفقهاء المعاصرون هذه المسألة؟

بالنسبة لشرط التنضيض الفعلي لكامل مشاريع المضاربة فقد عالج الفقهاء المعاصرون هذه المسألة باعتبار التنضيض الحكمي أو التقديري أو ما يسمى كذلك بالتقويم بديلا عن التنضيض الفعلي أو الحقيقي.

وبذلك فإنه يمكن تعويض مبدأ التنضيض الفعلي - الذي يستوجب تصفية كامل مشاريع المضاربة وتحويلها إلى نقود - بمبدأ التنضيض الحكمي الذي يتمثل في التقويم الدقيق من قبل خبراء مختصين لكامل مشروعات المضاربة بحيث يؤدى هذا التقويم إلى معرفة الربح حقيقة كما لو تم تصفية المضاربة. وقد صدر في هذا قرار من مجمع الفقه الإسلامي الذي ينص على:

" أن محل القسمة هو الربح بمعناه الشرعي , وهو الزائد عن رأس المال وليس الإيراد أو الغلة.

ويعرف مقدار الربح إما بالتنضيض أو بالتقويم للمشروع بالنقد , وما زاد عن رأس المال عند التنضيض أو التقويم فهو الربح الذي يوزع بين حملة الصكوك وعامل المضاربة , وفقا لشروط العقد ".

هذا وقد كانت الفتوى الصادرة عن الحلقة العلمية الثانية للبركة في غاية الدقة والوضوح بخصوص التنضيض الحكمي أو التقديري حيث نصت على أن:

" للتنضيض الحكمي بطريق التقويم في الفترات الدورية خلال مدة عقد المضاربة حكم التنضيض الفعلي لمال المضاربة , شريطة أن يتم التقويم وفقا للمعايير المحاسبية المتاحة ويجوز شرعا توزيع الأرباح التي يظهرها التقويم , كما يجوز تحديد أسعار تداول الوحدات بناء على هذا التقويم ".

وبما أن المشاركات في المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية أصبحت مرتبطة بدورات زمنية محددة ومستمرة نظرا للطابع الجماعي في المستثمرين والمخارجة بينهم , فقد تعين اعتبار بديل للتنضيض الفعلى في هذه الحالات وهو التنضيض التقديري (التقويم) , حيث أن الرجوع للقيمة يعتبر مبدأ شرعيا في كثير من التطبيقات الفقهية كما في الغصب , وتعذر الالتزام بالمثل فيصار للقيمة , وكذلك في جزاء محظورات الحج والصيد , وغيرها ".

أما بخصوص شرط القبض فإن فيما ذكره الإمام أحمد بن حنبل من المحاسبة التي اعتبرها كالقبض , في ذلك مخرجا للمسألة المطروحة.

ونقتطف هنا بعض ما جاء في كتاب المغني:

" قال ابن المنذر:

إذا اقتسما الربح ولم يقبض رب المال رأس ماله فأكثر أهل العلم يقولون برد العامل الربح حتى يستوفي رب المال ماله. ولنا على جواز القسمة أن المال لهما فجاز لهما أن يقتسما بعضه كالشريكين أو نقول أنهما شريكان فجاز لهما قسمة الربح قبل المفاصلة كشريكي العنان. قال أبو طالب قيل لأحمد:

رجل دفع إلى رجل عشرة آلاف درهم مضاربة فوضع , فبقيت ألف فحاسبه صاحبها ثم قال له اذهب فاعمل بها فربح؟ قال يقاسمه ما فوق الألف يعني إذا كانت الألف ناضة حاضرة إن شاء صاحبها قبضها فهذا الحساب الذي كالقبض فيكون أمره بالمضاربة بها في هذه الحال ابتداء مضاربة ثانية كما لو قبضها منه ثم ردها إليه ".

وعليه , لا يشترط إعادة كل رأس مال الصندوق لأصحابه في نهاية كل دورة من دورات توزيع الأرباح , بل يجوز الاكتفاء بإجراء محاسبة دقيقة لكافة مشروعات الصندوق تمكن من تحديد نصيب مختلف الأطراف من الأرباح , فيقوم هذا الحساب مقام القبض خاصة وأن أرباب المال يكون لهم الخيار بين سحب أموالهم والخروج من الصندوق أو تجديد التعاقد تلقائيا بالاستمرار والبقاء في الصندوق , وبذلك تعتبر كل دورة من دورات توزيع الأرباح مضاربة مستقلة ومنفصلة عن الأخرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>