اختلف الفقهاء المعاصرون في حكم الأسهم إلى ثلاث آراء:
الرأي الأول: المانعون للتعامل بالأسهم مطلقا
الذي قال بحرمة التعامل بالأسهم مطلقا الشيخ تقي الدين النبهاني , فهو يرى أن هذه الأسهم جزء من النظام الرأسمالي الذي لا يتفق جملة وتفصيلا مع الإسلام , بل أن الشركات الحديثة ولا سيما شركات الأموال حرام لا تجوز شرعا , لأنها تمثل وجهة نظر رأسمالية فلا يصح الأخذ بها , ولا إخضاعها لقواعد الشركات في الفقه الإسلامي.
وهذا الحكم العام لا يؤبه به , ولا يجنح إليه , فالإسلام لا يرفض شيئا لأنه جاء من النظام الفلاني , أو وجد فيه , وإنما الحكم في الإسلام موضوعي قائم على مدى موافقته لقواعد الشرع أو مخالفته , (فالحكمة ضالة المؤمن فهو أحق بها أن وجدها) .
واستدل كذلك بأن الأسهم بمثابة سندات بقيمة موجودات الشركة وهي تمثل ثمن الشركة وقت تقديرها , وليست أجزاء لا تتجزأ من الشركة ولا تمثل رأس مالها عند إنشائها.
غير أن هذا الحكم والتصور للأسهم مجاف للحقيقة , والواقع الذي عليه الشركات المعاصرة أن الأسهم ليست سندات , وإنما هي حصص الشركة , وأن كل سهم بمثابة جزء لا يتجزأ من كيان الشركة , وأن مجموع الأسهم هي رأس مال الشركة.
كما قاس الأسهم على أوراق النقد حيث يهبط سعرها ويرتفع , وتتفاوت قيمتها وتتغير , ومن هنا ينسلخ السهم بعد بدء الشركة عن كونه رأس مال , وصار ورقة مالية لها قيمة معينة.
والواقع أن هذا التكييف الفقهي للأسهم غير دقيق , وقياسها على الأوراق النقدية قياس مع الفارق , لأن الأسهم في حقيقتها هي حصص الشركة , وأجزاء تقابل أصولها وموجوداتها , وهي وان كانت صكوكا مكتوبة لكنها يعنى بها ما يقابلها.
ومسألة الهبوط والارتفاع يختلف سببها في الأسهم عن سببها في النقود , فتغير قيمة الأسهم يعود إلى نشاط الشركة نفسها , حيث ترتفع عندما تزداد أرباحها , أو تزداد معها موجودتها , وثقة الناس بها , وتنخفض عند الخسارة , ومثل ذلك كمثل شخص أو شركاء لهم سلع معينة فباعوها بأرباح جيدة فزادت نسبة مال كل واحد منهم بقدر الربح , وكذلك تنقص نسبة مال كل واحد منهم لو فقد منها بعضها أو هلك أو بيعت السلعة بخسارة , فهذا هو الأنموذج المصغر للأسهم في الشركات.
أما الورقة النقدية فيعود انخفاضها إلى التضخم , وإلى الأنظمة الدولية بهذا الخصوص , وسياسة الدولة في إصدار المزيد من الأوراق النقدية التي قد لا يوجد لها مقابل حقيقي , وغير ذلك من العوامل الاقتصادية , بينما السهم يمثل ذلك المبلغ الذي تحول إلى جزء من الشركة ممثل في أصولها وموجوداتها.
الرأي الثاني: المجيزون للتعامل بالأسهم مطلقا
ذهب عدد من الفقهاء المعاصرين إلى إباحة الأسهم في الدول الإسلامية مطلقا.
وذلك بناء على أن حصص الشركات في رأس مال الشركة في الفقه الإسلامي يجوز أن تكون متساوية أو غير متساوية , وهي في الأسهم كذلك , وهي في حقيقتها حصص المشتركين في رأس المال , وهي عرضة للربح والخسارة.
فالأسهم تتوافر فيها الشروط الشرعية وهي في واقعها ليست مخالفة للشريعة , وما شابها من بعض الشوائب والشبهات والمحرمات قليل بالنسبة للحلال , فما دام أكثرية رأس المال حلالا , وأكثر التصرفات حلالا فيأخذ القليل النادر حكم الكثير الشائع , ولا سيما يمكن إزالة هذه النسبة من المحرمات عن طريق معرفتها من خلال الميزانية المفصلة , أو السؤال عن الشركة , ثم التخلص منها.
ومن هؤلاء الفقهاء المجيزون باطلاق للأسهم العادية الشيوخ: علي الخفيف , ومحمد أبو زهرة , وعبد الوهاب خلاف , وعبد الرحمن حسن , وعبد العزيز الخياط , ووهبة الزحيلي والقاضي عبد الله سليمان بن منيع وغيرهم على تفصيل وتفريع لدى بعضهم يجب أن يراجع.
ويستدل على إجازة الأسهم بالأحكام التالية:
أن تقسيم رأس مال الشركة إلى حصص وأجزاء لا يتنافى مع المبادئ والقواعد العامة للشركة في الفقه الإسلامي , إذ ليس فيها ما يتنافى مع مقتضى عقد الشركة , بل فيها تنظيم وتيسير ورفع للحرج الذي هو من سمة الشريعة الإسلامية
فلا مانع إذن من تجزئة رأس مال الشركة إلى أجزاء متساوية يصطلح عليها الشركاء بحيث يكون كل شريك مالكا لجزء أو لأكثر من هذه الأجزاء التي سميت بالأسهم.
ويرى الفقهاء المعاصرين مثل الدكتور عبد العزيز الخياط أنه يجوز شرعا تحديد مسئولية الشركاء بحسب الأسهم , وينطبق على ذلك الأساس الفقهي لشركة المضاربة إذ لا يسأل رب المال فيها عن ديون الشركة إلا بمقدار المال الذي قدمه للشركة ولا يلزم بدفع ديونها.
كما أن مبدأ عدم قابلية السهم للتجزئة لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية وليس فيه أي محظور لأنه اتفاق عرفي فكأنه اشترط ذلك , وأي شرط متفق عليه بين الشركاء لا يبيح محرما أو يحرم مباحا جائز بين المسلمين لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: المسلمون على شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما رواه الترمذي.
ولا يمنع الشرع من عرض هذه الأسهم للبيع والشراء كما لا يمنع من بيعها بأكثر أو أقل من قيمتها الاسمية , لأن السهم يمثل حصة المساهم في رأس المال المدفوع وربما تحول قسم كبير منه إلى أموال عينية تمتلكها الشركة , أو أدوات إنتاج , ويمثل أيضا رأس المال الاحتياطي والأرباح التي لم توزع. فقيمة السهم تختلف إذن بحسب مركز الشركة وموجوداتها وبحسب نجاحها في أعمالها أو عدم نجاحها والأموال العينية فيها تختلف باختلاف الأحوال.
وقد قرر الفقهاء المعاصرون ضوابط محددة لتداول الأسهم بحسب طبيعة مكونات وموجودات الشركة التي قد تكون جميعها نقودا قبل مزاولة أعمالها , وقد تكون جميعها أعيانا , وقد تكون موجوداتها مختلطة تشمل نقود وأعيان وديون.
الرأي الثالث: المجيزون للتعامل بالأسهم بالنظر إلى موضوع الشركة
ذهب كثير من الفقهاء المعاصرين إلى بناء جواز إنشاء الأسهم وبيعها من عدمه بالنظر إلى موضوع وأغراض الشركة , فيكون جواز الأسهم في الشركات حسب مشروعية نشاطها.
وقد ذهب في هذا الاتجاه مجمع الفقه الإسلامي في دورته السابعة المنعقدة سنة ١٤١٢هـ. وعلى هذا الأساس تنقسم الأسهم إلى ثلاث أنواع:
أولا: أسهم شركات ذات أغراض محرمة
لا خلاف في حرمة الإسهام في شركات غرضها الأساسي محرم , كالتعامل بالربا أو إنتاج المحرمات أو المتاجرة بها.
فالأسهم التي يكون محلها الخنزير , والخمور والمخدرات والقمار ونحوها من المحرمات , وكذلك الشركات التي يكون نشاطها محصورا في الربا كالبنوك الربوية , هذه الأسهم جميعها لا يجوز إنشاؤها , ولا المساهمة في إنشائها , ولا التصرف فيها بالبيع والشراء ونحوهما.
يقول ابن القيم: بعد أن ذكر الأحاديث الخاصة بحرمة بيع بعض الأشياء: (فاشتملت هذه الكلمات الجوامع على تحريم ثلاثة أجناس: مشارب تفسد العقول كالخمر , ومطاعم تفسد الطباع وتغذى غذاء خبيثا مثل الميتة والخنزير , وأعيان كالأصنام تفسد الأديان وتدعو إلى الفتنة والشرك , فصان بتحريم النوع الأول العقول عما يزيلها ويفسدها , وبالثاني القلوب عما يفسدها من وصول آثر الغذاء الخبيث إليها. . , وبالثالث الأديان عما وضع لإفساده) .
ثانيا: أسهم شركات ذات أغراض مشروعة
يجوز إنشاء أسهم لشركات ذات أغراض وأنشطة مشروعة بمعنى أن تكون شركات قائمة على شرع الله تعالى حيث رأس مالها حلال , وتتعامل في الحلال , وينص نظامها وعقدها التأسيسي على أنها تتعامل في حدود الحلال , ولا تتعامل بالربا إقراضا واقتراضا , ولا تتضمن امتيازا خاص أو ضمانا ماليا لبعض دون آخر.
فهذا النوع من أسهم الشركات مهما كانت تجارية أو صناعية أو زراعية يجوز إنشاؤها ويجوز جميع التصرفات الشرعية فيها , لأن ذلك كله داخل في حدود التصرفات المباحة التي أجازها الشارع للمالك في ملكه , والأصل في التصرفات والعقود المالية الإباحة , ولا تتضمن هذه الأسهم أي محرم , وكل ما فيها أنها نظمت أموال الشركة حسبما تقتضيه قواعد الاقتصاد الحديث دون التصادم بأي مبدأ إسلامي.
ثالثا: أسهم شركات ذات أغراض مشروعة , ولكن تتعامل أحيانا بالمحرمات
وهي الأسهم التي ليست لشركات تزاول المحرمات كالنوع الأول , ولا لشركات قائمة على الحلال كالنوع الثاني , وإنما هي أسهم لشركات قد تدع في بعض الأحيان بعض أموالها في البنوك بفائدة , أو تقترض منها بفائدة , أو قد تكون نسبة قليلة من معاملاتها تتم من خلال عقود فاسدة كمعظم الشركات في الدول الإسلامية , والشركات في الدول غير الإسلامية مما يكون محلها أمورا مباحة كالزراعة , والصناعة والتجارة.
لقد اختلف المعاصرون على ثلاثة آراء:
الرأي الأول: هو حرمة التصرف في هذه الأسهم ما دامت لا تقوم على الحلال المحض , وقد بنى أصحاب هذا الرأي رأيهم على أن هذه الأسهم ما دام فيها حرام , أو تزاول شركاتها بعض أعمال الحرام كإيداع بعضها بعض أموالها في البنوك الربوية فتصبح هذه الأسهم محرما شراؤها , بناء على النصوص الدالة على وجوب الابتعاد عن الحرام , والشبهات , وعلى قاعدة: إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام.
الرأي الثاني: هو إباحة التصرف في هذا النوع من الأسهم وإن كان فيه نسبة بسيطة من الحرام لأنه يجوز تبعا ما لا يجوز استقلالا , فنسبة الحرام في هذه الأسهم جاءت تبعا وليست أصلا مقصودا بالتملك والتصرف.
وعليه ما دامت أغراض الشركة مباحة , وهي أنشئت لأجل مزاولة نشاطات مباحة غير أنها قد تدفعها السيولة أو نحوها إلى إيداع بعض أموالها في البنوك الربوية أو الاقتراض منها , فإن هذا العمل بلا شك عمل محرم يؤثم فاعله لكنه لا يجعل بقية الأموال والتصرفات المباحة محرمة.
والعبرة عند جمهور الفقهاء في المال المختلط بالحرام بالأغلب إذ أن للأكثر حكم الكل , وقد ذكر الفقهاء تطبيقات كثيرة في أبواب الطهارة والعبادات والمعاملات واللباس والطعام وغيرها.
الرأي الثالث: هو إباحة التصرف في هذا النوع من الأسهم بشروط , وهو رأي يرجحه كثير من المعاصرين.
هذا الرأي يتفق مع الرأي السابق ويضيف شروطا.
إذ أنهم يجيزون مشاركة المسلمين في الشركات التي يكون غرضها الأساسي مشروع ولكنها تتعامل أحيانا بالمحرمات , وبالتالي يجوز شراء أسهمها , والتصرف فيها ما دام غالب أموالها وتصرفاتها حلالا , وإن كان الأحوط الابتعاد عنها.
واشترط هؤلاء الفقهاء لجواز هذا التعامل أن يراعي صاحب هذه الأسهم نسبة الفائدة التي أخذتها الشركة على الأموال المودعة لدى البنوك , ويظهر ذلك من خلال ميزانية الشركة , أو السؤال عن مسئولي الحسابات فيها , وإذا لم يمكنه ذلك اجتهد في تقديرها , ثم يصرف هذا القدر في الجهات العامة الخيرية.
وأضاف البعض الآخر أن يقصد بشراء أسهم هذه الشركات تغييرها نحو الحلال المحض من خلال صوته في الجمعية العمومية , أو مجلس الإدارة , بل اعتبر بعضها ذلك أمر مطلوب.
كما شدد بعضهم في أسهم الشركات التي يمتلكها غير المسلمين.