تقسم الأسهم من حيث ما يدفع إلى قسمين:
أسهم نقدية وهي الأسهم التي تدفع قيمتها نقدا.
وأسهم عينية , وهي التي تدفع قيمتها من الأموال العينية.
وقد اتفق الفقهاء على جواز المشاركة بالنقود , يقول ابن رشد: فاتفق المسلمون على أن الشركة تجوز في الصنف الواحد من العين , أعني الدنانير والدراهم , وإن كانت في الحقيقة بيعا لا تقع فهي مناجزة , ومن شرط البيع في الذهب وفي الدراهم المناجزة , لكن الإجماع خصص هذا المعنى في الشركة.
وأما المشاركة بالأعيان أو كما يعبر عنه الفقه الإسلامي بالعروض أي غير النقود , فمحل خلاف بين الفقهاء على ثلاثة آراء:
الرأي الأول: جواز الشركة بالعروض مطلقا
يجوز الشركة بالعروض مطلقا أي اتفقت جنسا أو اختلفت , حيث تنعقد الشركة بقيمتها يوم عقد الشركة , وهذا مذهب مالك وإحدى الروايتين عن أحمد , واختارها أبو بكر الخلال , وأبو الخطاب , وابن تيمية , وبه قال ابن أبي ليلى , وبه قال في المضاربة طاوس والأوزاعي , وحماد بن أبي سليمان.
وقد استدلوا بقياس العروض على النقود , حيث أنها عند تقويمها أصبحت بمثابة النقود يقول ابن قدامة: لأن مقصود الشركة جواز تصرفهما في المالين جميعا , وكون ربح المالين بينهما وهذا يحصل في العروض كحصوله في الأثمان.
ويرجع كل واحد منهما عند المفاصلة بقيمة ماله عند العقد , كما أننا جعلنا نصاب زكاتها قيمتها.
الرأي الثاني: تصح الشركة في المثليات من العروض كالحبوب , والأدهان , ونحوها ,
وهذا الرأي الراجح عند الشافعية , وبه قال محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة , وذلك لأن المثلي إذا اختلط بجنسه ارتفع معه التمييز فأشبه النقدين , ولذلك اشترطوا الخلط وكونها من جنس واحد.
وقالوا في الرد على من أجاز في العروض: وليس المثلي كالمتقوم لأنه لا يمكن الخلط في المتقومات , وربما يتلف مال أحدهما ويبقى مال الآخر , فلا يمكن الاعتداد بتلفه عنهما , وفي المثليات يكون التالف بعد الخلط تالفا عنهما جميعا , ولأن قيمتهما ترتفع وتنخفض , وربما تنقص قيمة مال أحدهما دون الآخر , وتزيد , فيؤدي إلى ذهاب الربح في رأس المال , أو دخول بعض رأس المال في الربح.
الرأي الثالث: عدم صحة الشركة بالعروض مطلقا , سواء كانت من الطرفين , أو من طرف بحيث يعطي الآخر النقد ,
وهذا رأى أبي حنيفة وأبي يوسف وظاهر مذهب أحمد , وكره ذلك ابن سيرين , ويحيى بن كثير والثوري
غير أن الحنفية وصلوا إلى ما وصل إليه الرأي الأول عن طريق حيلة , وهي أن يبيع كل واحد من الشريكين مثلا نصف عرضه بنصف عرض الآخر , ثم عقداها مفاوضة أو عنانا , قال الحصكفي: وهذه حيلة لصحتها بالعروض وهذا أن تساويا قيمة , وإن تفاوتا باع صاحب الأقل بقدر ما تثبت به الشركة.
وقد استدل أصحاب هذا الرأي بما يأتي:
أولا: أن العروض يمتنع وقوع الشركة على أعيانها أو قيمتها , أو أثمانها ,
أما امتناع وقوعها على أعيانها فلأن الشركة تقتضي الرجوع عند المفاصلة برأس المال أو بمثله , وهذه العروض لا مثل لها حتى يرجع إليه , وقد تزيد قيمة جنس أحدهما دون الآخر فيستوعب بذلك جميع الربح , أو جميع المال , وقد تنقص قيمته فيؤدى إلى أن يشاركه الآخر في ثمن ملكه الذي ليس بربح.
وأما امتناع وقوعها على قيمتها فلأن القيمة غير متحققة القدر فيفضي إلى التنازع , وقد يقوم الشيء بأكثر من قيمته , ولأن القيمة قد تزيد في أحدهما قبل بيعه فشاركه الآخر في العين المملوكة له.
وأما امتناع وقوع الشركة على أثمان العروض فلأنها معدومة حال العقد , ولا يملكانها , ولأنه أن أراد ثمنها الذي اشتراها به فقد خرج عن مكانه وصار للبائع , وان أراد ثمنها الذي يبيعها به فإنها تصير شركة معلقة على شرط وهو بيع الأعيان وهذا لا يجوز.
ثانيا: أن وقوع الشركة على العروض يؤدي إلى أن يشترك أحد الشركين في حصة الآخر المالك للعرض إذا ظهر ربحه قبل التصرف فيه , بمقتضى عقد الشركة , مع أن الشريك غير المالك كيف يستحق هذا الربح الذي هو زيادة فيما لا ملك له فيها ولا ضمان ولا تصرف.
المناقشة والرجيح:
ناقش بعض الفقهاء المعاصرين أدلة الرأي الثاني والثالث بشأن المشاركة في العروض ,
فقالوا بأنها جميعا تنطلق من منطلق أصحابها في النظرة إلى الشركة في العروض باعتبار ذاتها , ومن منطلق عدم تحقق الضمان إلا بعد التصرف فيها , وكلتا النظرتين تدخل في منطق المصادرة والزام الغير بمقتضيات ومسلمات لا تعتبر مسلمة عنده.
وذلك لأن القائلين بصحة الشركة في العروض مطلقا يقولون بأن الشركة فيها لا تتم إلا بعد تقويمها , والاتفاق على القيمة , ثم تصبح القيمة هي محل الشركة , وإذا لم يتم الاتفاق على القيمة لم تنعقد.
وعلى ضوء ذلك يتحقق الضمان بعد هذا التقويم , وما يحدث للعروض من زيادة أو نقصان يكون من نصيب الشركاء , وحينئذ تطبق عليهما قاعدتا: الغرم بالغنم , والخراج بالضمان.
وبذلك يتضح رجحان القول الأول , وقوة مسلكه ومناطه , ولاسميا أن المخالفين لم يجدوا لأنفسهم دليلا من الكتاب والسنة الثابتة دعم اجتهادهم , وحينئذ تبقى المسألة في دائرة المصالح المرسلة وهي تتحقق بالقول الأول الذي يفتح باب الشركة على جميع الموجودات بضوابطها الشرعية.
وعلى أساس القول الأول وهو قول المالكية وإحدى الروايتين في مذهب الحنابلة , فإنه يجوز أن تكون الحصة العينية رأس مال الشركة في حال انتقال ملكيتها إلى الشركة , وتكون قيمتها هي أسهم صاحبها أو حصته التي يعلم بموجبها مقدار نسبة نصيبه من الأرباح والخسائر إذ أنها بعد تقويمها تكون معلومة.
واختلفت آراء الفقهاء في حالة كون الحصة العينية المقدمة من الشريك على سبيل الانتفاع بها لا سبيل تمليكها أي تبقى في ملك الشريك وينتفع بها في الشركة على أساس توزيع الربح بين الشريكين حسب الاتفاق , فذهب أحمد بن حنبل والأوزاعي إلى صحة الشركة ومنعها أبو حنيفة والشافعي.
جاء في المغني: (وإن دفع رجل دابته إلى آخر ليعمل عليها , وما يرزق الله بينهما نصفين أو ثلاثا أو كيفما شرط صح , نص عليه في رواية الأثرم ومحمد بن أبي حرب وأحمد بن سعيد , ونقل عن الأوزاعي ما يدل على هذا , وكره ذلك الحسن والنخعي وقال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي: لا يصح والربح كله لرب الدابة) .
ودليل الشافعي وأبي حنيفة أن الحمل الذي يستحق به العوض من الدابة , وللعامل أجر مثله , وليس هذا من أقسام الشركة.
ودليل ابن حنبل أن الدابة عين تنمى بالعمل عليها فصح العقد عليها ببعض نمائها كالدراهم والدنانير , وكالشجر في المساقاة , والأرض في المزارعة.
فتتكون الشركة بها صحيحة ولا تسري عليها أحكام الإجارة كما ذهب إلى ذلك القانون الوضعي.
وقد مال إلى هذا الرأي الدكتور عبد العزيز الخياط من الفقهاء المعاصرين.