يرى الحنفية والمالكية أن عقد الإجارة على المنافع يثبت حكمه شيئا فشيئا , على حسب حدوث ووجود محل العقد وهو المنفعة , لأنها تحدث أو تستوفي شيئا فشيئا.
وارتأى الشافعية والحنابلة أنه يثبت حكم الإجارة في الحال , وتجعل مدة الإجارة في موجودة تقديرا , كأنها أعيان قائمة.
ويترتب على هذا الخلاف ما يأتي:
أن الأجرة تثبت الملكية فيها بمجرد العقد إذا أطلق عند الشافعية والحنابلة لأن الإجارة عقد معاوضة , والمعاوضة إذا كانت مطلقة عن الشرط تقتضي الملك في العوضين عقب العقد , كما يملك البائع الثمن بالبيع.
وأما تأجيل الأجرة وتعجيلها عند الشافعية والحنابلة: فهو أنه إذا كانت الإجارة إجارة ذمة , فيشترط فيها تسليم الأجرة في مجلس العقد , لأنها بمثابة رأس المال في عقد السلم , كأن يقول المستأجر: أسلمت إليك عشرة دنانير في جمل صفته كذا , يحمل لي متاعي إلى جهة كذا أو يقول: استأجرت منك سيارة بكذا. . الخ لأن تأخير الأجرة حينئذ من باب بيع الدين بالدين , وهو لا يجوز.
وأما إذا كانت الإجارة إجارة عين: فإن كانت الأجرة فيها معينة , مثل استأجرتك لتخدمني سنة بهذا الجمل أو بهذه السلعة , فإنه لا يصح تأجيلها لأن تأجيل الأعيان فيه غرر , فقد تتلف الأجرة أو تتغير أوصافها فيكون ذلك مدعاة للخصام والنزاع وإن كانت الأجرة في الذمة , كأن يقول: بجمل صفته كذا , أو بكتاب بوصف كذا , فيجوز تأجيلها وتعجيلها. وفي حالة الإطلاق يجب تعجيلها , كما في عقد البيع , يصح بثمن حال أو مؤجل.
أما عند الحنفية والمالكية فلا تملك الأجرة بنفس العقد وإنما تلزم جزءا فجزءا , بحسب ما يقبض من المنافع , فلا يستحق المؤجر المطالبة بها إلا تدريجيا يوما فيوما , لأن المعاوضة المطلقة عن الشرط إذا لم يثبت الملك فيها في أحد العوضين , لا يثبت في العوض الآخر , لأن المساواة في العقود مطلوبة بين المتعاقدين.
ومتى تجب الأجرة وتملك عند الحنفية والمالكية؟
تجب الأجرة وتملك كلها بأحد أمور ثلاثة:
الأول - بأن يشترط تعجيلها في نفس العقد.
الثاني - بتعجيلها من غير شرط: لأن تأخير التزام المستأجر بالأجرة ثبت حقا له , فيملك إبطاله بالتعجيل , كما لو كان عليه دين مؤجل , فعجله.
الثالث - باستيفاء المعقود عليه: وهو المنافع شيئا فشيئا , أو بالتمكين من الاستيفاء بتسليم العين المؤجرة إلى المستأجر , وتسليم المفتاح أيضا , لأن المستأجر يملك حينئذ المعوض , فيملك المؤجر العوض في مقابلته , تحقيقا للمعاوضة المطلقة وتسوية العاقدين في حكم العقد.
واذا تم الاتفاق بين العاقدين على أن الأجرة لا تجب إلا بعد انقضاء مدة الإجارة , فهو جائز , لأنه يكون تأجيلا للأجرة بمنزلة تأجيل الثمن.
وأما إذا لم يشترط في العقد شيء فالقول المشهور المتأخر الذي استقر عليه الإمام أبو حنيفة وهو قول الصاحبين: أن الأجرة تجب حالا فحالا , كلما مضى يوم يسلم المستأجر أجرته , لأن الأجرة تملك على حسب ملك المنافع , وملك المنافع يحدث شيئا فشيئا على مر الزمان , فتملك الأجرة شيئا فشيئا بحسب ما يقابلها.
وبما أن هذه القاعدة توجب تسليم الأجرة ساعة فساعة , وهو أمر متعذر , فتقدر الأجرة باليوم أو بالمرحلة استحسانا.