لما كان أداء الأجرة التزاما يفرضه عقد الإجارة على عاتق المستأجر وهو رب العمل في إجارة الأشخاص , فإن الشارع قد منح العامل أو الأجير بعض الضمانات التي تعاونه في الحصول على هذه الأجرة.
وأهم هذه الضمانات هو حقه في حبس السلعة التي بيده , والتي سلمت إليه للعمل فيها حتى يستوفى أجرته. وكذلك حق حامل المتاع أو الناقل في حبس البضاعة أو المتاع الذي سلم إليه لنقله حتى يستوفى أجرته , كما أن بعض الفقهاء يمنح الناقل والعامل حقا في التقدم على غيره من دائني المستأجر في استيفاء أجرته إذا عجزت أموال المستأجر عن الوفاء بجميع ديونه.
وقسم الفقهاء العامل إلى صانع له أثر في العين كالصباغ والخياط والنجار ونحوهم , وصانع ليس لعمله أثر في العين كالحمال الذي يحمل على رأسه أو دابته أو سفينته.
فإذا كان العامل له أثر في العين المستأجر على عملها فقد اختلف الفقهاء في حكم حبس العين ضمانا للوفاء بالأجرة:
فذهب المالكية والحنفية (أبو حنيفة وصاحبيه) وفي قول للشافعية إلى أنه يجوز حبس العين حتى يستوفي الأجرة سواء كان المستأجر مفلسا أو غير مفلس , لأن عمل العامل من خياطة ونحوها ملك له , وقد اتصل بالعين اتصالا لا يمكن انفكاكه فجاز له حبسه على العوض كالمبيع في يد البائع.
وذهب خلاف ذلك زفر من الحنفية وفي قول للشافعية , وهو قول الحنابلة إذا لم يفلس المستأجر , فلا يجوز عندهم حبس العين للأجرة. وقد استدل هؤلاء بأن الأجرة في الذمة ولم يشترط رهن العين فيها , فلا يملك حبسها بدون إذن أو شرط رهن.
ومن ثم فإن العامل يفقد كل أساس شرعي لحبس العين عن مالكها في أجرته , إذ أن هذا الحبس لا يكون إلا برضا مالك المال , أو نص من الشرع.
أما إذا كان العامل ليس في عمله أثر في العين كأن يستأجر على الحمل مثلا , فقد اختلف الفقهاء أيضا في حكم حبس العامل لما استؤجر على العمل فيه في هذه الحالة حتى يقبض الأجرة إلى قولين:
فقال الحنفية والشافعية والحنابلة لا يحبس للأجر من لا أثر لعمله كالحمال والملاح لأن المعقود عليه نفس العمل وهو عرض يفنى , ولا يتصور بقاؤه , وليس له أثر يقوم مقامه , فلا يتصور حبسه.
وقال المالكية للعامل حبس ما حمل , أو عمل فيه حتى يستوفي أجره لأنه بائع منفعته فكان أحق بما عمل فيه في الموت والفلس.
ولأن العامل تسلم العمل بيده , فصار كأنه سلعة مبيعة بيده , فللعامل الحق في حبس ما تسلمه حتى يقبض الأجرة كالبائع يحبس السلعة حتى يتسلم الثمن.