إن رهن الكمبيالة أو سندات الدين أو غيرها مما يندرج ضمن رهن الدين عموما هو غير جائز بالنظر لقول جمهور الفقهاء الذين يشترطون أن يكون المرهون عينا , فلا يصح رهن الدين , ولو لمن هو عليه لأنه غير مقدور على تسليمه , ولأن القبض شرط للزوم الرهن لقوله تعالى {فرهان مقبوضة} ولا يرد ذلك على الدين.
أما عند المالكية , فإنه يجوز رهن كل ما يباع ومنه الدين لجواز بيعه عندهم , فيجوز رهنه من المدين ومن غيره.
ومثال الرهن من غير المدين: أن يكون لخالد دين عند عمر , ولعمر دين على أحمد , فيرهن عمر دينه الثابت له في ذمة أحمد لدى خالد بدينه الثابت له في ذمته (أي ذمة عمر) والطريقة: هي أن يدفع له وثيقة الدين الذي على أحمد , حتى يوفيه دينه.
أما مثال رهن الدين عند المدين: لو كان خالد دائنا لعمر بمئة دينار , وعمر دائن لخالد بمئة رطل حديد , جاز لعمر أن يجعل دينه من الحديد رهنا عند خالد بدينه الذي يستحقه قبل عمر , حيث جعل الدين الذي للدائن رهنا في الدين الذي عليه لآخر , والمرهون: دينه عند مدين له.
ويقع رهن الدين باعتباره منقولا , وتتغير أحكامه بما يتفق وطبيعة الدين , فيتم باتفاق الراهن والمرتهن , وقبض الأخير لسند الدين , على أن يثبت الاتفاق بسند موثق , ولا يعتبر نافذا إلا بإعلان المدين أو بقبوله سندا ثابت التاريخ , كما هو الأمر في حوالة الدين , على أن تحسب مرتبة الرهن من تاريخ الإعلان أو تاريخ قبول المدين.
ولا يكون نافذا في حق الغير إلا بحيازة المرتهن سند الدين شأن رهن المنقول حيازيا.
أما في السندات الرسمية أو الإذنية , فإن الرهن يتم بالطريقة القانونية لحوالتها على أن يذكر أن الحوالة تمت على سبيل الرهن , وتعتبر السندات لحاملها كالمنقولات المادية , وتجري عليها أحكامها , ويشترط في الدين حتى يمكن رهنه أن يكون قابلا للحوالة أو الحجز , فلا يجوز رهن دين النفقة , أو معاش التقاعد أو الديون التي لا يجوز الحجز عليها.
وجاء في مواهب الجليل للحطاب (٥ / ٤) : وذكر في التوضيح وغيره أن رهن الدين يصح ولو على غائب , ويكفي في حوزه الإشهاد , والظاهر هنا الصحة أيضا , والله أعلم.
يتبين من هذا أنه في صورة رهن الدين من غير المدين لا بد فقها من قبض وثيقة الحق , والإشهاد على حيازتها.
أما صورة رهن الدين من المدين فيشترط لصحتها , سواء أكان الدينان من قرض أو بيع , أن يكون أجل الدين المرهون هو أجل الدين المرهون به أو أبعد منه , بأن يحل الدينان في وقت واحد , أو يحل دين الرهن بعد حلول الدين المرهون به.
أما إذا كان أجل حلول الدين المرهون أقرب , أو كان الدين المرهون حالا , فرهنه لا يصح , لأنه يؤدى إلى إقراض نظير إقراض , إن كان الدينان من قرض , وإلى اجتماع بيع وسلف إن كانا من بيع , لأن بقاء الدين المرهون بعد أجله عند المدين به , يعد سلفا في نظير سلف الدين المرهون به.
وإذا كان الدينان من بيع , فبقاء الدين المرهون يعد سلفا مصاحبا للبيع , وهو ممنوع عند المالكية.
والتزامات المرتهن والراهن في رهن الدين هي ذات التزاماتهما في رهن المنقول حيازيا فيجب على الراهن أن يسلم سند الدين , وأن يرتب حق الرهن , وأن يضمنه , ويلتزم المرتهن بصيانة الدين المرهون , فيحول دون أمر الزمان ويقطع المدة , حتى لا يسقط الدين بالتقادم , ويقتضى الاستحقاقات الدورية والتكاليف في مواعيدها , على أن يقوم بإخطار الراهن , وله أن يحسم ذلك من النفقات , ثم من أصل الدين , كما أوضحت.
وعلى الدائن المحافظة على الدين المرهون. وإذا كان له أن يقضي شيئا من المدين , دون تدخل الراهن , فعليه أن يقوم به في الزمان والمكان المعينين للاستيفاء , وأن يعلم الراهن بذلك , وهذا معتمد على المصلحة المتوفرة.
على أنه يجوز للمدين في الدين المرهون أن يعترض على صحة الحق المضمون بالرهن , فلو كان العقد الذي نشأ عنه الحق باطلا , كان الرهن باطلا كذلك.
وللمدين أن يتمسك بالبطلان قبل الدائن المرتهن. وله أن يتمسك بأن الحق قد انقضي بأي سبب من أسباب انقضاء الحقوق , أو أن الحق المضمون بالرهن نفسه قبل الدائن المرتهن قد انقضى تبعا لانقضاء الحق , وذلك قياسا على أن المدين في الحوالة له أن يحتج بما يجوز له أن يدفع به دين الدائن الأصلي , كأن يكون عقد الدين المرهون باطلا , أو أن الدين قد انقضي.
ويجب على المدين في الدين المرهون: أن يؤدي الدين إلى الراهن والمرتهن معا إذا استحق قبل استحقاق الدين المضمون بالرهن. وللراهن والمرتهن أن يتفقا على إيداع ما يؤديه المدين في يد عدل , حتى يستحق الدين المضمون , وينتقل حق الرهن إلى ما تم إيداعه.
وإذا اصبح كل من الدين المرهون والدين المضمون بالرهن مستحق الأداء , ولم يستوف المرتهن حقه , جاز له أن يقبض من الدين ما يكون مستحقا له , ويرد الباقي إلى الراهن إذا كان كل من الدين المستحق والدين المرهون من جنس واحد , وإلا جاز له أن يطلب بيع الدين المرهون أو تملكه بقيمته لاستيفاء حقه.
هذا ويجوز أخذ الوديعة رهنا ولكن يشترط أن يستمر ريعها لصاحبها لأنها تبقى على ملكه لكن تحبس للاستيفاء منها في حال عدم سداد الدين.
أما بالنسبة لقبول رهن عبارة عن اسهم بنوك ربوية فلا يجوز ذلك كما ذهبت إليه فتاوى بعض الهيئات الشرعية للبنوك الإسلامية.