تبيين الحقائق (ج ٥ ص ٩٧ - ٩٨)
إذا وهب شخص هبة وقبضها وليس فيه ما يمنع الرجوع من زيادة , وموت أحدهما , وعوض , وخروج من الملك , وزوجية , وقرابة محرمة للنكاح , وهلاك الموهوب , جاز الرجوع في الهبة.
وقال الشافعي رحمه الله لا يصح الرجوع فيها إلا في الولد , لقوله صلى الله عليه وسلم: لا يرجع الواهب في هبته إلا الوالد فيما يهب لولده ولأنه عقد تمليك فوجب أن يلزم كالبيع ولأن الرجوع يضاد مقتضى العقد والعقد لا يقتضي ضده , وإنما ثبت جواز الرجوع في الولد لأن إخراجه عن ملكه لم يتم , لأن الولد من كسبه أو بعضه.
ولنا قوله صلى الله عليه وسلم: الواهب أحق بهبته ما لم يثب (وهو ضعيف) , أي لم يعوض , والمراد بعد التسليم لأنها لا تكون هبة حقيقة قبله وتأيد ذلك بالشرع , قال عليه الصلاة والسلام: تهادوا تحابوا والتفاعل يقتضي الفعل من الجانبين فكان له الرجوع إذا لم يحصل مقصوده كالمشتري إذا وجد بالمبيع عيبا يرجع بالثمن لفوات مقصوده , وهو صفة السلامة في المبيع.
موطأ مالك بشرح الزرقاني (ج ٤ ص ٤٧)
قال يحيى وسمعت مالكا يقول: الأمر المجتمع عليه عندنا فيمن نحل ولده نحلا أو أعطاه عطاء ليس بصدقة: أن له أن يعتصر ذلك (يسترجعه) ما لم يستحدث الولد دينا يداينه الناس به , ويأمنون عليه من أجل ذلك العطاء الذي أعطاه أبوه , فليس لأبيه أن يعتصر من ذلك شيئا بعد أن تكون عليه الديون , أو يعطي الرجل ابنه أو ابنته فتنكح المرأة الرجل , وإنما تنكحه لغناه وللمال الذي أعطاه أبوه , فيريد أن يعتصر ذلك الأب , أو يتزوج الرجل المرأة قد نحلها أبوها النحل , إنما يتزوجها ويرفع من صداقها لغناها ومالها وما أعطاها أبوها , ثم يقول الأب: أنا أعتصر ذلك فليس له أن يعتصر من ابنه ولا من ابنته شيئا من ذلك , إذا كان على ما وضفت لك.
المغني (ج ٥ ص ٦٧٠ - ٦٧٤)
وللرجوع في هبة الولد شروط أربعة:
أحدها: أن تكون باقية في ملك الابن , فإن خرجت عن ملكه ببيع أو هبة , أو وقف أو إرث أو غير ذلك , لم يعد له الرجوع فيها لأنه إبطال لملك غير الولد
الثاني: أن تكون العين باقية في تصرف الولد بحيث يملك التصرف في رقبتها وإن رهن العين أو أفلس , وحجر عليه لم يملك الأب الرجوع فيها لأن في ذلك إبطالا لحق غير الولد فإن زال المانع من التصرف فله الرجوع
الثالث: أن يتعلق بها رغبة لغير الولد فإن تعلقت بها رغبة لغيره مثل أن يهب ولده شيئا فيرغب الناس في معاملته وأدانوه ديونا أو رغبوا في مناكحته فزوجوه إن كان ذكرا أو تزوجت الأنثى لذلك , فعن أحمد روايتان أولاهما: ليس له الرجوع
الرابع: ألا تزيد (الهبة) زيادة متصلة كالسمن , والكبر. فإن زادت فعن أحمد روايتان
المجموع (ج ١٥ ص ٣٨١)
فإن وهب لغير الولد وولد الولد شيئا , وأقبضه , لم يملك الرجوع فيه لما روى ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما رفعاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل للرجل أن يعطي العطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما أعطى ولده. وإن وهب للولد , أو ولد الولد - وإن سفل - جاز له أن يرجع للخبر (الحديث) ولأن الأب لا يتهم في رجوعه لأنه لا يرجع إلا لضرورة , أو لإصلاح الولد
بدائع الصنائع (ج ٦ ص ١٣٤٥)
ولا خلاف في أن الرجوع في الهبة بقضاء القاضي فسخ , واختلف في الرجوع فيها بالتراضي , فمسائل أصحابنا تدل على أنه فسخ , أيضا كالرجوع بالقضاء فإنهم قالوا يصح الرجوع في المشاع الذي يحتمل القسمة , ولو كان (الرجوع بالتراضي) هبة مبتدأة لم يصح مع الشياع , وكذا لا تقف صحته على القبض ولو كان هبة مبتدأة لوقفت صحته على القبض.