جاء في الهداية (٧ / ١١٦)
والمستصنع بالخيار إذا رأى المصنوع: إن شاء أخذه وإن شاء تركه , لأنه اشترى شيئا لم يره ولا خيار للصانع. كذا ذكره في المبسوط , وهو الأصح. وعن أبي حنيفة أن للصانع الخيار أيضا لأنه لا يمكنه تسليم المعقود عليه إلا بضرر وهو قطع الجلد وغيره.
وجاء في العناية (٧ / ١١٦)
المستصنع بالخيار إن شاء أخذه وإن شاء تركه لأنه اشترى ما لم يره , ومن هو كذلك فله الخيار.
ولا خيار للصانع , كذا في المبسوط. فيجبر على العمل , لأنه بائع باع ما لم يره ومن هو كذلك لا خيار له. وهو الأصح بناء على جعله بيعا لا عدة.
وعن أبي حنيفة أن له الخيار أيضا إن شاء فعل وإن شاء ترك , دفعا للضرر عنه , لأنه لا يمكنه تسليم المعقود عليه إلا بضرر , وهو قطع الصرم وإتلاف الخيط.
وعن أبي يوسف أنه لا خيار لهما , أما الصانع فلما ذكرنا أولا , وأما المستصنع فلأن الصانع أتلف ماله بقطع الصرم وغيره ليصل إلى بدله , فلو ثبت له الخيار تضرر الصانع , لأن غيره لا يشتريه بمثله , ألا ترى أن الواعظ إذا استصنع منبرا ولم يأخذه فالعامي لا يشتريه أصلا.
وجاء في بدائع الصنائع للكاساني
أما صفة الاستصناع فهي أنه عقد غير لازم قبل العمل , من الجانبين جميعا , بلا خلاف , حتى كان لكل واحد منهما خيار الامتناع قبل العمل , كالبيع المشروط فيه الخيار للمتبايعين , أن لكل واحد منهما الفسخ , لأن القياس يقتضي أن لا يجوز , لما قلنا , وإنما عرفنا جوازه استحسانا لتعامل الناس , فبقي اللزوم على أصل القياس.
وأما بعد الفراغ من العمل وقبل أن يراه المستصنع فكذلك , حتى كان للصانع أن يبيعه ممن شاء , كذا ذكر في الأصل , لأن العقد ما وقع على عين المعمول بل على مثله في الذمة لما ذكرنا أنه لو اشترى من مكان آخر وسلم إليه جاز , ولو باعه الصانع وأراد المستصنع أن ينقض البيع ليس له ذلك. ولو استهلكه قبل الرؤية فهو كالبائع إذا استهلك المبيع قبل التسليم. كذا قال أبو يوسف.
فأما إذا أحضر الصانع العين على الصفة المشروطة فقد سقط خيار الصانع , وللمستصنع الخيار , لأن الصانع بائع ما لم يره فلا خيار له , وأما المستصنع فهو مشتر ما لم يره فكان له الخيار. . . ولأن الخيار كان ثابتا لهما قبل الإحضار لما ذكرنا أن العقد غير لازم , فالصانع - بالإحضار - أسقط خيار نفسه , فبقي خيار صاحبه على حاله , كالبيع الذي فيه الخيار للعاقدين إذا أسقط أحدهما خياره أنه يبقى خيار الآخر , كذا هذا. هذا جواب ظاهر الرواية عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد.
وروي عن أبي حنيفة رحمة الله أن لكل واحد منهما الخيار.
وروى عن أبي يوسف أنه لا خيار لهما جميعا.
وجه رواية أبي يوسف أن الصانع قد أفسد متاعه وقطع جلده , وجاء بالعمل على الصفة المشروطة , فلو كان للمستصنع الامتناع من أخذه لكان فيه إضرار بالصانع , بخلاف ما إذا قطع الجلد ولم يعمل , فقال المستصنع لا أريد , لأنا لا ندرى أن العمل يقع على الصفة المشروطة أم لا , فلم يكن الامتناع منه إضرارا بصاحبه , فثبت الخيار.
ووجه رواية أبي حنيفة أن في تخيير كل واحد منهما دفع الضرر عنه , وأنه واجب.
والصحيح جواب ظاهر الرواية , لأن في إثبات الخيار للصانع ما شرع له الاستصناع , وهو دفع حاجة المستصنع , لأنه متى ثبت الخيار للصانع , فكل ما فرغ عنه يبيعه من غير المستصنع , فلا تندفع حاجة المستصنع.
وقول أبي يوسف أن الصانع يتضرر بإثبات الخيار للمستصنع مسلم , ولكن ضرر المستصنع بإبطال الخيار فوق ضرر الصانع بإثبات الخيار للمستصنع , لأن المصنوع إذا لم يلائمه وطولب بثمنه لا يمكنه بيع المصنوع من غيره بقيمة مثله , ولا يتعذر ذلك على الصانع , لكثرة ممارسته وانتصابه لذلك. ولأن المستصنع إذا غرم ثمنه ولم تندفع حاجته لم يحصل ما شرع له الاستصناع , وهو اندفاع حاجته , فلا بد من إثبات الخيار له.
وجاء في المحيط البرهاني (ج٢ ق٥٧٥)
الروايات في لزوم الاستصناع وعدم اللزوم مختلفة. . . (ثم ذكر الروايات , ثم قال:) . . . ثم رجع أبو يوسف عن هذا وقال: لا خيار لواحد منهما , بل يجبر الصانع على العمل , ويجبر المستصنع على القبول.
وجه ما روي عن أبي يوسف أنه يجبر كل واحد منهما , أما الصانع فلأنه ضمن العمل فيجبر على العمل وأما المستصنع فلأنه لو لم يجبر على القبول يتضرر به الصانع , لأنه عسى لا يشتريه غيره أصلا , أو لا يشتري بذلك القدر من الثمن , فيجبر على القبول دفعا للضرر عن الصانع.
وجاء في مجلة الأحكام العدلية (م ٣٩٢)
إذا انعقد الاستصناع فليس لأحد العاقدين الرجوع فيه , وإذا لم يكن على الأوصاف المطلوبة كان المستصنع مخيرا.
وجاء في الدر المختار (٤ / ٢١٣)
يجبر الصانع على عمله ولا يرجع الآمر عنه. قال ابن عابدين تبع في ذلك الدرر ومختصر الوقاية. وقال: قال في الدرر تبعا لما في خزانة المفتي أن الصانع يجبر على عمله والآمر لا يرجع عنه.
وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي حول الاستصناع (رقم ٦٦ / ٣ / ٧)
إن عقد الاستصناع هو عقد وارد على العمل والعين في الذمة ملزم للطرفين إذا توافرت الأركان والشروط.