الإيجاب والقبول
الأصل في التصرفات الشرعية أن تتم بإيجاب وقبول , ولهذا ذهب أبو حنيفة ومحمد - وهو رأي عند الشافعية - إلى أن صيغة الكفالة تتركب من إيجاب يصدر من الكفيل وقبول يصدر عن المكفول له , لأن الكفالة عقد يملك به المكفول له حق مطالبة الكفيل أو حقا ثبت في ذمته فوجب قبوله.
ويترتب على ذلك أن الكفالة لا تتم بعبارة الكفيل وحده سواء كانت الكفالة بالنفس أو بالمال بل لا بد من قبول المكفول له.
وذهب أبو يوسف والمالكية , والحنابلة , وهو الأصح عند الشافعية: إلى أن صيغة الكفالة تتم بإيجاب الكفيل وحده , ولا تتوقف على قبول المكفول له , لأن الكفالة مجرد التزام من الكفيل بأداء الدين , لا معاوضة فيه , بل هو تبرع ينشأ بعبارته وحده , فيكفى فيه إيجاب الكفيل.
وإيجاب الكفيل يتحقق بكل لفظ يفهم منه التعهد والالتزام والضمان صراحة أو ضمنا , كما يتحقق بكل تعبير عن الإرادة يؤدى هذا المعنى.
وأما رضا المكفول عنه , أي الأصيل , فلا يشترط باتفاق العلماء , لأن قضاء دين الغير بغير إذنه جائز , فالتزامه أولى ولأنه يصح الضمان عن الميت اتفاقا ما عدا أبا حنيفة وإن لم يترك وفاء لديه , بأن كان مفلسا.
الخيار في الكفالة
لا يجوز اشتراط الكفيل الخيار لنفسه , لأن الكفالة عقد لازم , لا يناسبها الخيار وهذا ما صرح به فقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة , وغيرهم , فإنهم قالوا: لا يثبت في الضمان والكفالة خيار لأن الخيار لدفع الغبن , وطلب الحظ , أي جعل ليعرف ما فيه الحظ , والضمين والكفيل على بصيرة أنه مغبون ولا حظ لهما.
ولهذا يقال (الكفالة أولها شهامة وأوسطها ملامة , وآخرها غرامة) ولأنه عقد لا يفتقر إلى القبول , فلم يدخله خيار كالنذر.
قال ابن قدامة وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي لا نعلم عن أحد خلافهم.
وقال أبو حنيفة إذا اشترط الكفيل الخيار في الضمان صح الضمان وبطل الشرط.
الكفالة المعلقة
الكفالة المعلقة هي التي يعلق وجودها على وجود شيء آخر.
وقد ذهب الحنفية والمالكية وفي رواية عند الحنابلة إلى أن الكفالة تكون صحيحة إذا علقت على الشروط الملائمة ولا تكون صحيحة إذا علقت على شرط غير ملائم , بينما منع الشافعية تعليق الكفالة بشرط.
والشرط الملائم عند الحنفية هو:
- الشرط الذي يكون سببا لوجوب الحق , كقول الكفيل للمشترى: أنا كفيل لك بالثمن إذا استحق المبيع.
- أو الشرط الذي يكون سببا لإمكان الاستيفاء , كقول الكفيل للدائن: إذا قدم فلان (أي المكفول عنه) فأنا كفيل بدينك عليه.
- أو الشرط الذي يكون سببا لتعذر الاستيفاء , كقول الكفيل للدائن: إن غاب فلان (أي المدين) عن البلدة فأنا كفيل بالدين.
- كما ذهب الحنفية إلى صحة الكفالة المعلقة بشرط جرى به العرف , كما لو قال الكفيل: إن لم يؤد فلان ما لك عليه من دين إلى ستة أشهر فأنا له ضامن.
أما إذا علقت الكفالة على شرط غير ملائم , كقوله: إن هبت الريح أو إن نزل المطر أو إن دخلت الدار فأنا كفيل , فلا تصح الكفالة لأن تعليق الكفالة على شرط غير ملائم لا يظهر فيه غرض صحيح. ومع ذلك فقد ذهب بعض فقهاء المذهب الحنفي إلى صحة الكفالة فتثبت حالة ويلغو التعليق.
وخلافا لما ذهب إليه الجمهور من الأخذ بجواز تعليق الكفالة بالشرط الملائم , وهو ما يساعد الكفيل المتبرع بأن يكون على بينة من أمره فلا يلتزم ولا يتحمل أكثر مما يطيقه. فقد منع الشافعية تعليق الضمان والكفالة سواء أكان الشرط المعلق عليه ملائما أم كان غير ملائم , لأن كلا من الضمان والكفالة عقد كالبيع , وهو لا يجوز تعليقه بالشرط.
الكفالة المضافة
ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز إضافة الكفالة بالمال إلى أجل مستقبل كأن يقول الكفيل: أنا ضامن لك هذا المال أو هذا الدين ابتداء من أول الشهر القادم.
وفي هذه الحالة لا يكون كفيلا إلا في ذلك الوقت , أما قبله فلا يعد كفيلا ولا يطالب بالمال.
أما عند الشافعية فلا يجوز ذلك سواء كان الأجل معلوما أو مجهولا.
والكفالة المضافة عند الجمهور تجوز إذا كان التأجيل إلى وقت معلوم أو مجهول جهالة غير فاحشة كإضافة الكفالة إلى الحصاد أو إلى مهرجان أو غيره مما هو متعارف بين الناس لأن هذه الجهالة ليست فاحشة فتتحملها الكفالة.
أما إن لم يكن الأجل متعارفا بين الناس , كالتأجيل إلى مجيء المطر , أو هبوب الريح , فالأجل باطل لأنه ليس من الآجال المتعارفة أو المنضبطة أما الكفالة فهي صحيحة وتكون منجزة.
الكفالة المقيدة
الكفالة المطلقة جائزة وفقا لشروطها المشروعة وهي لا تتقيد إلا بوصف الدين أي أنها تلزم بما يتصف به ذلك الدين من الحلول أو التأجيل:
- فإن كان الدين المكفول حالا , كانت الكفالة حالا.
- وإن كان الدين المكفول مؤجلا , كانت الكفالة مؤجلة.
ولكن قد تتقيد الكفالة إما بوصف التأجيل أو بوصف الحلول على النحو التالي:
تقيد الكفالة بوصف التأجيل:
يكون الدين المكفول هنا حالا , وتضاف كفالته إلى زمن مستقبل مؤجل. وذلك كأن يقول الكفيل للدائن: كفلت لك دينك الذي على فلان ابتداء من أول الشهر الآتي. وهذا جائز باتفاق الفقهاء بدليل ما ثبت في السنة من حمالة الرسول صلى الله عليه وسلم لدين حال مؤجلا شهرا.
وفي هذه الحالة لا يكون للكفالة أثر إلا عند الزمن المؤجل (من أول الشهر الآتي) فيتأجل الدين بالنسبة إلى الكفيل وحده بسبب إضافة الكفالة. أما بالنسبة إلى المدين الأصيل فلا يتغير وصف الدين بل يظل حالا.
وقيل يكون التأجيل في حق الاثنين معا إذا كان التأجيل في نفس العقد لأن الأجل صفة للدين , والدين واحد.
تقيد الكفالة بوصف الحلول:
يكون الدين المكفول هنا مؤجلا إلى أجل معلوم كشهر أو سنة , وتنعقد الكفالة حالا أي يتبرع الكفيل بتعجيل الدين. وقد ذكر الفقهاء أنه يجوز أن يكون أجل الكفالة مماثلا لأجل الدين أو أزيد منه أو أنقص لأن المطالبة بالدين حق الدائن المكفول له , فله أن يتفق مع الكفيل والمدين على ما يشاء.
ولكن يرى جمهور الفقهاء أن الكفيل هنا لا يلزمه الوفاء بالتعجيل كما لا يلزم الأصيل أي أن الكفالة لا تجعل المؤجل حالا.