لا خلاف بين الفقهاء في عدم اشتراط رضا الأصيل المكفول عنه لأن قضاء دينه بغير إذنه جائز , فكفالته أولى كما قال الفقهاء. ولكن اختلف الفقهاء في مدى حق الكفيل في الرجوع على المكفول عنه إذا كفله بغير إذنه.
وبالرغم من إجماع الأئمة على عدم اشتراط رضا المكفول عنه , فإنهم اختلفوا في موضعين هما: معرفته , وقدرته على تسليم المكفول به.
شرط معرفة المكفول عنه:
- اشترط الحنفية والقاضي أبو يعلى من الحنابلة أن يكون الأصيل معروفا عند الكفيل , فإذا قال الكفيل: كفلت ما على أحد من الناس , لا تصح الكفالة , لأن الناس لم يتعارفوا ذلك. ولأن اشتراط هذا الشرط إنما هو لأجل معرفة المكفول عنه: هل هو موسر أو ممن يبادر إلى قضاء دينه أو يستحق اصطناع المعروف أو لا.
ولا يشترط حضرة الأصيل , فتجوز الكفالة عن غائب أو محبوس , لأن الحاجة إلى الكفالة في الغالب تظهر في مثل هذه الأحوال.
وقال الشافعية والحنابلة: الأصح أنه لا يشترط معرفة المكفول عنه , قياسا على رضاه , فإنه ليس بشرط. وأما اصطناع المعروف , فهو معروف , سواء أكان لأهله أم لغير أهله.
شرط قدرة المكفول عنه على تسليم المكفول به:
هذا الشرط خاص عند أبي حنيفة وهو أن يكون الأصيل قادرا على تسليم المكفول به , إما بنفسه وإما بنائبه. فلا تصح الكفالة عنده بالدين عن ميت مفلس مات ولم يترك وفاء لدينه , لأنه دين ساقط , فلم يصح ضمانه , كما لو سقط بالإبراء ولأن ذمة الميت قد زالت بالموت , فلم يبق فيها دين والضمان عنده: ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة به.
وذهب الصاحبان وجمهور الفقهاء: إلى أنه يصح ضمان الدين عن الميت المفلس , بدليل حديث أبي قتادة السابق ذكره , فإنه ضمن دين ميت لم يترك شيئا لوفاء دينه , والنبي صلى الله عليه وسلم حض الصحابة على ضمان دين الميت في حديث أبي قتادة بقوله: ألا قام أحدكم فضمنه؟ ولأن دين الميت دين ثابت , فصح ضمانه كما لو خلف وفاء لدينه.
والدليل على ثبوت هذا الدين: أنه لو تبرع رجل بقضائه , جاز لصاحب الدين اقتضاؤه , وكذا لو ضمنه حيا , ثم مات , لم تبرأ ذمة الضامن , مما يدل على أنه لم تبرأ ذمة المضمون عنه.