ضمان المجهول لا يشترط في الكفالة بالمال عند جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة أن يكون الدين معلوم القدر والصفة والعين.
فتصح الكفالة:
بالمعلوم كقوله: تكفلت عنه بألف ,
أو بالمجهول , كقوله: تكفلت عنه بما لك عليه , أو ضمنت لك ما تداينه به.
ومن أمثله ضمان المجهول: ضمان السوق , وهو أن يضمن ما يلزم التاجر من دين , وما يقبضه من عين مضمونة.
ويذهب الجمهور إلى صحة ضمان المجهول لقوله تعالى: {ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم} وحمل البعير غير معلوم , لأن حمل البعير يختلف باختلافه وعموم قوله عليه السلام: الزعيم غارم ولأن الكفالة عقد تبرع , وهو التزام حق في الذمة من غير معاوضة فصح في المجهول , كالنذر والإقرار. كما أن الكفالة مبنية على التوسع , فيحتمل فيها الجهالة.
أما عند الشافعية فلا يجوز ضمان المجهول وذهب إلى ذلك أيضا الثوري والليث وابن أبي ليلى وابن المنذر لأن الضمان إثبات مال في الذمة بعقد لآدمي أو التزام مال , فلم يجز مع الجهالة كالثمن في البيع , فلا يصح المجهول ولا غير المعين كأحد الدينين.
ضمان الدرك ضمان الدرك: هو الكفالة بما يدرك المال المبيع ويلحق به من خطر بسبب سابق على البيع وذلك مثلا بأن يضمن شخص للمشترى الثمن إن خرج المبيع مستحقا أو معيبا أو ناقصا إما لرداءته , أو لنقص سنجات الوزن التي وزن بها. والدرك هو التبعة , أي المطالبة والمؤاخذة.
فقد اتفق الفقهاء جميعا على صحة هذا النوع من الضمان (ضمان الدرك) , لأنه عند جمهور الفقهاء من أمثلة ضمان المجهول , وهو جائز عند الشافعية لحاجة الناس إليه.
كما صحح الحنفية الكفالة فيما لو قال إنسان لغيره: اسلك هذا الطريق , فان أخذ مالك , فأنا ضامن , فأخذ ماله , صح الضمان , والمضمون عنه مجهول. وكذا لو قال: لو غصب مالك فلان أو واحد من هؤلاء القوم , فأنا ضامن , صح الضمان.
ويطلق على ضمان الدرك أيضا ضمان العهدة لالتزام الضامن ما في عهدة البائع رده , والعهدة في الحقيقة: عبارة عن الصك المكتوب فيه الثمن , ولكن الفقهاء يستعملونه في الثمن مجازا.
وقال الشافعية والحنابلة: يصح ضمان عهدة المبيع عن البائع للمشترى , وعن المشترى للبائع ,
فضمانه على المشتري: هو أن يضمن الثمن الواجب بالبيع قبل تسليمه , وإن ظهر فيه عيب أو استحق , رجع بذلك على الضامن ,
وضمانه عن البائع للمشتري: هو أن يضمن عن البائع الثمن متى خرج المبيع مستحقا , أو رد بعيب , أو أرش العيب.
فضمان العهدة في الموضعين: هو ضمان الثمن أو جزء منه عن أحدهما للآخر , وحقيقة العهدة: الكتاب الذي يكتب فيه وثيقة البيع. وذكر فيه الثمن , فعبر به عن الثمن الذي يضمنه.
وممن أجاز ضمان العهدة في الجملة: أبو حنيفة ومالك والشافعي ومنع منه بعض الشافعية لكونه ضمان ما لم يجب , وضمان مجهول , وضمان عين. وقد بينا جواز الضمان في ذلك كله , ولأن الحاجة تدعو إلى الوثيقة على البائع. والوثائق ثلاثة: الشهادة , والرهن والضمان.
ويصح ضمان العهدة عن البائع للمشترى قبل قبض الثمن وبعده.
وقال الشافعي إنما يصح بعد القبض , لأنه قبل القبض لو خرج مستحقا , لم يجب على البائع شيء. وهذا ينبني على ضمان ما لم يجب إذا كان مفضيا إلى الوجوب كالجعالة , أجازه المالكية والحنابلة , ومنعه الحنفية والشافعية , كما تقدم.
وقال النووي في مغني المحتاج: والمذهب صحة ضمان الدرك بعد قبض الثمن: وهو أن يضمن للمشتري الثمن إن خرج المبيع مستحقا أو معيبا أو ناقصا لنقص السنجة التي وزن به.
كما قال أيضا: ولا يختص ضمان الدرك بالثمن , بل يجري في المبيع , فيضمنه للبائع إن خرج الثمن المعين مستحقا أو أخذ بشفعة سابقة أو معيبا أو ناقصا إما لرداءته , أو لنقص الصنجة.
ولو ضمن عهدة فساد البيع بغير الاستحقاق أو عهدة العيب أو التلف قبل قبض المبيع , صح للحاجة إليه , ولا يدخل ذلك تحت ضمان العهدة.
وعليه , يصح شرعا ضمان العهدة بالاتفاق , وهو أعم من ضمان الدرك , لشموله ضمان الدرك بالثمن وضمان الدرك في المبيع.