للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدليل من الكتاب

تحدث القرآن الكريم عن الشركاء والخلطاء في مجال الأموال:

فذكر شركة الملك عن طريق الإرث فقال تعالى: {فهم شركاء في الثلث} سورة (النساء: ١٢) .

كما ضرب مثلا للفشل والخسران بالشركة التي يكون شركاؤها متشاكسين متنازعين مختلفين فقال تعالى: {ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا} سورة (الزمر: ٢٩) .

وتحدث القرآن الكريم كذلك عن الخلطاء في سورة (ص) حيث تنازعوا فيما بينهم , وأرادوا أن يعرضوا أمرهم هذا على داود عليه السلام ولكنه كان في يوم عبادته وصومه وفي صومعته ومحرابه , ولذلك تسوروا الحائط فنزلوا عليه من فوق: {ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم} (سورة ص: ٢١: ٢٤) .

ويستفاد من هذه الآيات مشروعية الخلطة والشركة واحتمال وقوع الظلم من بعض الشركاء على بعضهم الآخر , بل الأكثرية على ذلك , كما أن مجال أكل أموال الشركة من الشركاء أوسع من أي شيء آخر , لأن كل واحد وكيل عن الآخر والأموال تحت يديه , فلو لم يخف الله تعالى فليس هناك رادع آخر , لأن إثبات أخذه من أموال الشركة ليس سهلا ولذلك قال سيدنا داود عليه السلام {وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض} ثم استثنى من عنده الرقابة الباطنية , والتصديق الكامل فقال: {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} ثم عقب على ذلك بأن هؤلاء قليلون {وقليل ما هم} كما يستفاد من هذه الآيات ضرورة المشاركة مع من كان مؤمنا حقا وترسخت العقيدة في قلبه , وتمكن الخوف من الله تعالى في نفسه وهو دائم العمل الصالح للدنيا والآخرة.

ويبدو أن الحفاظ على الأمانة والإخلاص في باب الشركة له من الصعوبة والندرة حتى جعل الله تعالى له ميزة واختصاصا فقال في حديث قدسي: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه. .

الدليل من السنة

تكرر لفظ الشركة في السنة كثيرا , بل عقدت لها كتب وأبواب , فقد خصص البخاري في صحيحة كتابا سماه: كتاب الشركة , ذكر فيه ستة عشر بابا وبلغ عدد أحاديثه سبعة وعشرين حديثا.

أخرج أبو يعلى والبيهقي عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من خان شريكا فيما ائتمنه عليه واسترعاه له فإنه بريء منه.

ويستدل بهذا الحديث على مشروعية الشركة حيث يقرر جوازها ويحذر الشريكين من الخيانة.

وأخرج أبو داود وروى الحاكم في مستدركه , والبيهقي في سننه , عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يد الله مع الشريكين ما لم يتخاونا , فإذا تخاونا محقت تجارتهما فرفعت البركة منها.

والحديث يدل على جواز شركة العقد وفضيلتها , وأنها محل للبركة وتنمية الرزق لأن يد الله مع الشريكين.

وأورد الشوكاني عن أبي المنهال أن زيد بن أرقم والبراء ابن عازب كانا شريكين فاشتريا فضة بنقد ونسيئة , فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فأمرهما أن ما كان بنقد فأجيزوه , وما كان بنسيئة فردوه.

رواه أحمد والبخاري ولفظ البخاري ما كان يدا بيد فخلوه , وما كان نسيئة فردوه.

وقد دلت عبارة الحديث على جواز الشركة عموما وجوازها بالدنانير والدراهم , وعلى جواز التعامل بها نقدا لا نسيئة.

وروى الشوكاني عن أبي عبيدة عن عبد الله قال: اشتركت أنا وعمار وسعد فيما نصيب يوم بدر قال: فجاء سعد بأسيرين ولم أجيء أنا وعمار بشيء , قال الشوكاني وهو (أي الحديث) حجة في شركة الأبدان وتملك المباحات.

وهو دليل على صحة الشركة إلا أن ابن حزم يطعن في الحديث ويرى أنه خبر منقطع لأنه من رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه , وأبو عبيدة لم يذكر عن أبيه شيئا , وابن حزم لا يرى صحة شركة الأبدان ولذلك طعن في الحديث.

الدليل من الإجماع

حكى الإجماع جمهرة الفقهاء إذ كان الناس يتعاملون بالشركة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا من غير نكير.

وجاء في المغني لابن قدامة أن المسلمين أجمعوا على جواز الشركة بالجملة وإنما اختلفوا في أنواع منها كما هو موضح في أقسام الشركة.

<<  <  ج: ص:  >  >>