شركة الأموال
شركة الأموال هي عقد بين اثنين فأكثر , على أن يتجروا في رأس مال لهم , ويكون الربح بينهم بنسبة معلومة.
والأصل في شركة الأموال أن يكون العمل على المشتركين بجانب اشتراكهم برأس المال لأن كلا من الشركاء وكيل عن الآخر في التصرف بمال الشركة , وهي عند كثير من الفقهاء أذن في التصرف في المال فكان العمل جائزا لكل من الشركاء.
فإذا عمل بعضهم ولم يعمل البعض الآخر أو عملوا جميعا أو اشترطوا أن يكون العمل من جانب أكثر من الجانب الآخر لحذقه ومهارته , جاز ذلك كله في رأي الحنفية والحنابلة وجمهور من الفقهاء.
وشركة الأموال إما أن تكون شركة مفاوضة وقد اختلف الفقهاء في معناها وفي حكمها , وإما أن تكون شركة عنان وهي جائزة باتفاق الفقهاء.
وفي عنان شركة الأموال يجوز تساوي أو تفاضل الشركاء في تقديم حصة رأس المال وكذلك في حصة الربح المتفق عليها.
شركة الأعمال
شركة الأعمال هي الشركة التي تعتمد على الجهد البدني والفكري فهي اتفاق اثنين أو أكثر من أرباب الأعمال والمهن على أن يشتركا في تقبل الأعمال من الناس وأن يكون ما يكسبانه من أرباح مشتركا بينهما بحسب الاتفاق.
فإذا اشترك كاتبان في عمل فكري ككتابة كتاب ونشره , أو اشترك طبيبان في فتح عيادة أو اشترك خياطان في تقبل الخياطة , واتفقا على أن ما يكسبانه لهما مناصفة أو غير ذلك كان ذلك شركة أعمال.
ويسمى هذا النوع من الشركات بشركة الأعمال لأن العمل هو أساس المشاركة فيما بين الشركاء إذ ليس فيها رأس مال يشتركان فيه وإنما يشتركان بعمل البدن , ولذا تسمى أيضا شركة الأبدان , وتسمى أيضا شركة التقبل للمشاركة في تقبل الأعمال من الناس , وتسمى أيضا شركة الصنائع لأن رأس مال الشريكين فيها هو صنعتهما.
وقد اتفق جمهور الفقهاء على جواز هذه الشركة واختلفوا في بعض أنواعها وأحكامها , وخالف الشافعية فذهبوا إلى أنها شركة باطلة لأن الشركة تنبئ عن الاختلاط وهو شرط لجوازها ولا يقع الاختلاط إلا في الأموال , ولا يتحقق الاختلاط بالأموال في شركة الأعمال.
وكذلك لأن الشركة إنما شرعت أصلا لاستنماء المال بالتجارة ولا بد من أصل يستنمى , وهو لا يوجد في شركة الأعمال لأنها تعتمد على الأبدان فلا يحصل ما وضعت له الشركة فلا يجوز.
ثم أن في شركة الأعمال كثير غرر لأن الأعمال لا تنضبط وعمل كل واحد من الشركاء مجهول عند صاحبه وهو مميز ببدنه ومنافعه فيختص بفوائده ولا يجوز أن يشاركه فيها غيره.
أما المجيزون لشركة الأعمال , ومنهم الحنابلة والمالكية فقد استدلوا بحديث عبد الله بن مسعود إذ أنه قال: اشتركت أنا وسعد وعمار يوم بدر فلم أجيء أنا وعمار بشيء وجاء سعد بأسيرين , وقد أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على اشتراكهم في الأسرى وهم إنما استحقوا ذلك بالعمل.
كما استدل الحنفية على جواز شركة الأعمال بإجماع الناس على التعامل بها في سائر الأمصار من غير نكير من أحد عليهم بالرغم من عدم أخذ بعض الفقهاء بها بعد استقرار الإجماع على مشروعيتها.
ويقول الكاساني الشركة بالأموال شرعت لتنمية المال , وأما الشركة بالأعمال فما شرعت لتنمية المال بل لتحصيل أصل المال , والحاجة إلى تحصيل المال فوق الحاجة إلى تنميته , فلما شرعت لتحصيل الوصف فلأن تشرع لتحصيل الأصل أولى.
هذا وتنبني شركة الأعمال على الضمان أي يضمن كل من الشركاء ما يقبله شريكه من العمل , وضمانهم ضمان الصناع في مصنوعهم.
شركة الوجوه
شركة الوجوه هي أن يشترك اثنان وليس لهما مال , ولكن لهما وجاهة عند الناس فيقولان اشتركنا على أن نشتري بالنسيئة ونبيع بالنقد على أن ما رزق الله سبحانه من ربح فهو بيننا على شرط كذا.
وهي سميت بذلك لأن الشركاء ليس لديهم رأس مال إلا ما يحصلون عليه بالاستدانة بوجاهتهم لدى من يبيعهم بالأجل , قال الإمام شمس الدين السرخسي (أن رأس مالهما وجههما فإنه لا يباع بالنسيئة إلا ممن له في الناس وجه , وتسمى شركة المفاليس) .
وتسمى هذه الشركة أيضا شركة الذمم قال ابن رشد (شركة الوجوه هي الشركة على الذمم من غير صنعة ولا مال) .
وشركة الوجوه جائزة عند الحنفية والحنابلة , وغير جائزة عند المالكية والشافعية.
ويستدل الشافعية بأن الشركة تبنى عن الاختلاط , ولا يقع الاختلاط إلا في الأموال , أما الأعمال فلا اختلاط فيها ثم أن الشركة شرعت لتحصيل غرض الاستنماء ولابد من أصل يستنمى وهو لا يوجد في شركة الوجوه.
وكذلك لم يجز المالكية شركة الوجوه لما فيها من غرر لأنها اشتراك بالذمم وهو لا يجوز عندهم , فهي من باب تحمل عني وأتحمل عنك وأسلفني وأسلفك , فهي من باب ضمان بجعل وسلف.
أما بالنسبة لمن أجازها من الحنفية والحنابلة , فإن مشروعية شركة الوجوه ثابته بالسنة التقريرية لأن الناس تعاملوا بها من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا من غير إنكار. وهي لا تخرج في حقيقتها عن الجمع بين الوكالة والكفالة , ففيها وكالة كل شريك لشريكه في شراء السلعة والكفالة بثمنها , والوكالة والكفالة جائزتان فما اشتمل عليهما فهو جائز أيضا.
هذا وتنبني شركة الوجوه على ضمان الديون أي استعداد كل من الشريكين لتحمل مسئولية وفائها في حالة إخفاق عمليات هذه المشاركة. ولا بد عند العقد من تحديد نسبة ما يستحمله كل شريك فيها من الضمان , ويجوز أن يكون ذلك بالتساوي أو بالتفاضل بأن يضمن أحد الشركاء ٦٠ % ويضمن الآخر ٤٠ % مثلا.