شركة المفاوضة
تقوم شركة المفاوضة على أساس تفويض كل واحد من الشريكين إلى صاحبه التصرف في ماله مع غيبته وحضوره. فلا بد فيها من أن يطلق كل من الشركاء للآخرين حرية التصرف في البيع والشراء والمضاربة والتوكل والارتهان والابتياع في الذمة والمسافرة بالمال وغير ذلك مما تحتاج له التجارة.
وعلى أساس معنى التفويض السابق ذكره , فإن شركة المفاوضة تكون جائزة عند جمهور الفقهاء من الحنفية والحنابلة والمالكية ولكن مع ضرورة تحقق شروط أخرى عند الحنفية.
وبهذا المعنى فإن المشارك المفاوض لا يحتاج إلى مراجعة شريكه وأخذ موافقته في كل تصرف من تصرفاته للشركة , بل يكون تصرفه نافذا عليه وعلى شريكه في كل ما يعود على مال الشركة نفعه.
وهذا الحكم موضع وفاق بين القائلين بالمفاوضة وهم كما ذكرنا الحنفية والحنابلة والمالكية.
أما الشافعية فانهم ذهبوا إلى عدم جواز شركة المفاوضة ورأوا فيها غررا لأنه يلزم كل واحد ما لزم الآخر , وقد يلزمه شيء لا يقدر على القيام به.
وقد أجاب المجيزون على ذلك بأنه ليس في هذا العقد غرر ولا إجبار على الاشتراك في المفاوضة بل أن القاعدة تقول أن الغنم بالغرم , وما دام الشركاء قد تراضوا على أن يلتزم كل منهم بما يلزم الآخر فلا غرر فيه وهو جائز.
شركة المفاوضة عند الحنفية
شركة المفاوضة عند الحنفية يختلف معناها عن المعنى الذي جاء به المالكية والحنابلة , فالحنفية يرون أن المفاوضة مشتقة من الفوض أي التساوي وهي تتحقق بوجود المساواة الكاملة بين الشريكين , ففي شركة الأموال يشترط التساوي في رأس المال وفي الربح وفي القدرة على التصرف , وفي شركة الأعمال يقوم التساوي في الاشتراك في تقبل الأعمال مقام التساوي في رأس المال كما يقوم تعهد العمل مقام التصرف فيه.
أما في شركة الوجوه فيكون التساوي في التضامن في التزام الحقوق والواجبات والثمن الذي يشتريان به نسيئة مقام التساوي في رأس المال.
ويعني الحنفية بتساوي رأس المال في شركة الأموال أن يتساوى الشركاء فيما يصلح أن يكون رأس مال الشركة قدرا وقيمة ابتداء وانتهاء بمعنى أنه يجب أن يكون كل ما يملكه كل من الشريكين مساويا للآخر , فلا يجوز أن يكون لأحد المتفاوضين مال يصلح أن يكون رأس مال للشركة ولم يدخل فيها عند التعاقد , كذلك تتحول المفاوضة إلى عنان إذا استوفى أحد الشريكين دينا أو حضر له مال غائب.
لذلك فإن الأستاذ علي الخفيف يرى أن شركة المفاوضة لا تعد شركة واقعية وليس لوجودها بقاء إذا ما وجدت , فهو يقول: (أن اشتراط تساوي أموال الشركاء في القيمة وعدم اختصاص كل شريك بمال يصلح أن يكون رأس مال للشركة في جميع مراحل وجودها لا يبقى عليها زمنا طويلا فإن استمرار كل شريك على ما كان له من نقود عند تكوينها وعدم زيادتها بعد ذلك أمر يكاد أن يكون عسيرا) .
هذا ولا ضير عند الحنفية في أن يتفاضلا الشريكين في الأموال التي لا تصلح فيها الشركة كالعقار والعروض والديون , ولكن كما ذكرنا إذا قبض الدين نقودا تحولت المفاوضة إلى عنان لاشتراطهم استمرار المساواة ابتداء وانتهاء.
شركة المفاوضة عند غير الحنفية
وخلافا عن الحنفية , فإن المالكية والحنابلة لا يشترطون المساواة بين الشريكين في رأس المال لصحة المفاوضة.
كما أنهم لا يبنوها على الكفالة وانما اكتفوا بما فيها من معنى الوكالة , بينما ذهب الحنفية إلى أن كل شريك يكون وكيلا عن الآخر فيما له من حقوق وكفيلا عنه فيما يجب عليه من شراء وبيع والتزامات.
وكذلك يشترط الحنفية في شركة المفاوضة إطلاق التصرف لكل شريك في جميع أنواع التجارة ولا يصح تخصيصها بنوع أو نشاط معين من التجارة , فكل شريك له أن يتجر في أي نوع أراد قل أو كثر , سهل أو عسر , رخص أو غلا , لأن المفاوضة تقتضي عندهم تفويض الرأي في كل ما يصلح للاتجار فيه وعدم التقييد بنوع دون نوع كما صرح به صاحب الهداية.
وهذا الشرط غير مقرر عند المالكية والحنابلة لأن المالكية ينوعون المفاوضة إلى عامة لم تقيد بنوع من أنواع المتاجرة دون نوع , وخاصة بخلافها , كما أن الحنابلة يئول كلامهم إلى مثل هذا.
شركة العنان
أجمع الفقهاء على جواز شركة العنان وهي الشركة التي كانت معروفة منذ القديم , وهي أيضا الشركة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين السائب بن شريك فقد جاء في الحديث أنه كان شريك النبي في أول الإسلام في التجارة , فلما كان يوم الفتح قال النبي صلى الله عليه وسلم: مرحبا بأخي وشريكي , لا يدارى ولا يماري.
وشركة العنان هي أن يشترك اثنان أو أكثر في نوع من أنواع التجارة أو في عموم التجارات , ويلتزم المتعاقدون بمقتضاها بأن يقدم كل منهم حصة معينة في رأس المال , ويكون الربح بينهما حسب المال أو حسب الاتفاق عند جماعة من الفقهاء , أما الخسارة فهي أبدا بقدر المالين لأنها جزء ذاهب من المال , فيتقدر بقدره.
وتنعقد شركة العنان على الوكالة على معنى أن كل واحد منهما يكون وكيل صاحبه في الشراء بالمال الذي عينه , ولهذا يشترط تعيين المال عند العقد أو عند الشراء لأن الوكالة بالشراء لا تصح إلا بمال الموكل وكونها مبنية على الوكالة يمكن كل شريك من التصرف , ويكون الحاصل من التجارة مشتركا بين الشركاء.
ويرى الحنفية وكذلك الشافعية أنه لا يترتب على شركة العنان أثر إلا عند التصرف في رأس المال بالشراء , فإذا عقدت الشركة وكانت الأموال حاضرة ولكن التصرف بالشراء لم يبدأ بعد , فهلك أحد المالين هلك على صاحبه وبطلت بضياعه الشركة وذلك لانعدام محلها وهو المال المشترك.
أما إذا تصرف أحد الشركاء بالمال فإنه يترتب الأثر حينئذ وإذا هلك أي جزء من المال هلك على حساب الشركاء جميعا.
وخلافا لهذا يرى المالكية ومعهم الحنابلة أن رأس المال يصبح مشتركا بمجرد العقد فيدخل في ضمان الشركاء جميعا وإذا هلك منه جزء هلك عليهم كلهم.
الفرق بين شركة المفاوضة وشركة العنان
ويمكن أن نعرض هنا الفرق عموما بين شركتي المفاوضة والعنان كما هو عند الحنفية فيما يلي:
(أ) أن المفاوضة مختلف في جوازها , وشركة العنان مجمع على جوازها.
(ب) تشترط المساواة في قدر المال في المفاوضة , ولا يشترط ذلك في العنان.
(ج) أن المفاوضة لا تكون إلا في عموم التجارات , وأما العنان فلا يشترط فيه ذلك.
(د) أن المفاوضة يشترط فيها المساواة في الربح , وأما العنان فيجوز أن يكون الربح حسب الاتفاق تساويا أو تفاضلا.
(هـ) أن شركة المفاوضة لا بد أن يكون لكل واحد من الشركاء أهلية الكفالة بأن يكون حرا عاقلا , لذلك لا تصح من الصبي المأذون بالتجارة , أما العنان فلا يشترط فيه ذلك وإنما يشترط فيه أهلية الوكالة فقط ولذلك تجوز من الصبي المأذون.
(و) أن شركة المفاوضة تعطي الحق المطلق في التصرف , بينما شركة العنان يكون الشريك فيها مقيدا بإذن الشريك.