القول باشتراط تناسب الربح على قدر المالين
ذهب المالكية والشافعية وزفر إلى أنه يقسم الربح والخسارة على قدر المالين , سواء تساويا في العمل , أو تفاوتا فيه لأن استحقاق الربح لا يكون عندهم إلا بالمال فقط.
فإن شرط المتعاقدين خلاف ذلك بأن شرطا التساوي في الربح والخسارة مع التفاضل في المالين , أو التفاضل في الربح والخسارة مع التساوي في المالين , أو لو شرطا زيادة للأكثر منهما عملا:
ذهب المالكية إلى أن الشرط في هذه الحالة غير صحيح وتفسد الشركة.
ذهب الشافعية إلى عدم صحة العقد , لأنه شرط ينافي مقتضى الشركة فلم يصح , كما لو شرط الربح لأحدهما , فإن تصرفا مع هذا الشرط صح التصرف , لأن الشرط لا يسقط الإذن فنفذ التصرف فإن ربحا أو خسرا جعل بينهما على قدر المالين ويرجع كل واحد منهما بأجرة عمله في نصيب شريكه.
القول بجواز اختلاف الربح عن حصص رأس المال
أجاز الحنفية والحنابلة زيادة أرباح بعض الشركاء على رءوس أموالهم , ذلك أن استحقاق الربح يكون عندهم بواحد من الأمور الثلاثة: المال , والعمل , والضمان:
فهو يستحق بالمال لأنه نماؤه فيكون لمالكه.
وهو يستحق بالعمل حين يكون العمل سببه: كنصيب المضارب في ربح المضاربة اعتبارا بالإجارة.
ويستحق بالضمان كما في شركة الوجوه لقوله صلوات الله وسلامه عليه: (الخراج بالضمان) أو (الغلة بالضمان) أي من ضمن شيئا فله غلته. ولذا ساغ للشخص أن يتقبل العمل من الأعمال كخياط ثوب ويتعهد بإنجازه لقاء أجر معلوم ثم يتفق مع آخر على القيام بهذا العمل بأجر أقل من الأجر الأول , ويربح هو فرق ما بينهما حلالا طيبا لمجرد أنه ضمن العمل , دون أن يقوم به: عسى أن لا يكون له مال أصلا.
توزيع الربح في شركات الأموال
ذهب الحنفية والحنابلة أنه يجوز في شركة العنان أن يتساوى المالان ويتفاضل الشريكان في الربح , وأن يتفاضل المالان ويتساوى الربحان وذلك على أساس النظر إلى شرط العمل , فقد يرى الشريكين إغفال النظر إلى العمل فيكون الربح بحسب المالين , وقد يجعلا لشرط العمل قسطا من الربح يستأثر به أحدهما بالإضافة لما يستحقه بمقتضى حصته في الشركة , والمناط هنا هو شرط العمل الوارد في العقد وليس وجود العمل نفسه فقد يعمل الشريك بمقتضى الشرط وقد لا يعمل.
ولكن لا تصح الشركة عند هؤلاء الفقهاء إذا شرط الشريكان العمل على صاحب الحصة الأكبر في رأس المال وشرط لصاحب الحصة الأقل زيادة في الربح لأن صاحب الأقل لا يستحق الربح لا بمال ولا بعمل.
أما في شركة المفاوضة وفقا للاصطلاح الحنفي , فإنه يشترط التساوي في الأرباح لأنها مبنية على التساوي في جميع شروطها.
توزيع الربح في شركة الأعمال
ذهب الحنفية والحنابلة أيضا إلى أنه يجوز في عنان شركة الأعمال الاشتراك في الربح على حسب ما يتم الاتفاق عليه بين المتشاركين لأنه في الواقع بدل عمل , والعمل يختلف في تقويمه.
فإذا لم يتعرضا لشرط العمل بنسبة معينة , جازت الشركة على ما يشترطانه من الربح لأن هذا هو الأصل.
ويشترط المالكية في شركة الأعمال أن يكون اقتسام الربح مناسبا لمقدار العمل , ولا يتجاوز إلا عن فرق يسير , وهذا في عقد الشركة , أما بعده فلا حرج على متبرع إن تبرع ولو بالعمل كله. فإذا وقع العقد على تفاوت النسبة بين العملين والنسبة بين الربحين تفاوتا فاحش , فإنه يكون العقد فاسدا عند المالكية.
توزيع الربح في شركة الوجوه
اشترط الحنفية وكذلك القاضي وابن عقيل من الحنابلة أن يكون الربح بين الشريكين بنسبة ضمانهما الثمن في شركة الوجوه.
وضمانهما الثمن إنما هو بنسبة حصصهما فيما يشتريانه معا , أو كل على انفراد. ومقدار هذه الحصص يتبع الشرط الذي وقع التشارط عليه عند عقد الشركة.
فمن الجائز المشروع أن يتعاقدا في شركة الوجوه على أن يكون كل ما يشتريانه أو يشتريه أحدهما بينهما مناصفة , أو على التفاوت المعلوم أيما كان كأن يكون لأحدهما الثلث أو الربع , أو أكثر من ذلك أو أقل , وللآخر الثلثان أو الثلاثة الأرباع إلخ.
فإذا شرط لأحد الشريكين في الربح أكثر أو أقل مما عليه من الضمان فهو شرط باطل لا أثر له , ويظل الربح بينهما بنسبة ضمانهما , لأنه لا يوجد في هذه الشركة سبب لاستحقاق الربح سوى الضمان , فيتقدر بقدره. ذلك أن الربح إنما يستحق بالمال أو العمل أو الضمان , ولا مال هنا ولا عمل , فيتعين أن يكون بسبب الضمان , وإذن تكون قسمته بحسبه لئلا يلزم ربح ما لم يضمن.
والمذهب عند الحنابلة أن الربح في شركة الوجوه يكون على حسب ما اتفقا عليه كشركة العنان لأن فيها مثلها عملا وغيرها , فالشريكين شركة وجوه يتجران , والتجارة عمل يتفاوت كيفا وكما ويختلف باختلاف القائمين به نشاطا وخبرة , فالعدالة أن تترك الحرية للمتعاقدين ليقدرا كل حالة بحسبها.