للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اختلف الفقهاء في ترتب حكم القرض , وهو نقل ملكية محله (المال المقرض) من المقرض إلى المقترض , هل يتم بالعقد , أم يتوقف على القبض , أم لا يتحقق إلا بتصرف المقترض فيه أو استهلاكه. . على أربعة أقوال:

أحدها: للمالكية وهو أن المقترض يملك القرض ملكا تاما بالعقد , وإن لم يقبضه , ويصير مالا من أمواله , ويقضي له به. ورجحه الإمام الشوكاني وحجته أن التراضي هو المناط في نقل ملكية الأموال من بعض العباد إلى بعض.

والثاني: للشافعية في القول المقابل للأصح , وهو أن المقترض إنما يملك المال المقرض بالتصرف المزيل للملك. فإذا تصرف فيه تبين ثبوت ملكه قبله. وحجتهم: أن القرض ليس بتبرع محض , إذ يجب فيه البدل , وليس على حقائق المعاوضات , فوجب أن يكون تملكه بعد استقرار بدله بالتصرف المزيل للملك كالبيع والهبة والإعتاق والإتلاف ونحو ذلك.

والثالث: لأبي يوسف صاحب أبي حنيفة وهو أن القرض لا يملك بالقبض ما لم يستهلك. وحجته أن الإقراض إعارة , فتبقى العين فيه - كالعارية - على حكم ملك المقرض قبل أن يستهلكها المقترض.

والرابع: للحنابلة والحنفية في المعتمد والشافعية في الأصح وهو أن المقترض إنما يملك المال المقرض بالقبض. واستدلوا على ذلك:

أ - بأن مأخذ الاسم دليل عليه , لأن القرض في اللغة القطع , فدل على انقطاع ملك المقرض بنفس التسليم.

ب - وبأن المقترض بنفس القبض صار بسبيل من التصرف في القرض من غير إذن المقرض بيعا وهبة وصدقة وسائر التصرفات , وإذا تصرف فيه نفذ تصرفه دون توقف على إجازة المقرض , وتلك أمارات الملك , إذ لو لم يملكه لما جاز له التصرف فيه.

ج - وبأن القرض عقد اجتمع فيه جانب المعاوضة وجانب التبرع , غير أن جانب التبرع فيه أرجح , لأن غايته وثمرته إنما هي بذل منافع المال المقرض للمستقرض مجانا , ألا ترى أنه لا يقابله عوض في الحال , ولا يملكه من لا يملك التبرع , ولهذا كان حكمه كباقي التبرعات من هبات وصدقات , والملكية فيها تنتقل بالقبض , لا بمجرد العقد , ولا بالتصرف , ولا بالاستهلاك.

<<  <  ج: ص:  >  >>