لقد اختلف الفقهاء في بدل القرض الذي يلزم المقترض أداؤه من حيث المثلية والقيمية والعينية على ثلاثة أقوال:
أحدها: للحنفية , وهو أن المقترض بمجرد تملكه للعين المقترضة , فإنه يثبت في ذمته مثلها لا عينها , ولو كانت قائمة. وأنه لو استقرض شيئا من المكيلات أو الموزونات أو المسكوكات من الذهب أو الفضة , فرخصت أسعارها أو غلت فعليه مثلها , ولا عبرة برخصها وغلائها. وأنه إذا تعذر على المقترض رد مثل ما اقترضه , بأن استهلكها ثم انقطعت عن أيدي الناس , فيجبر المقرض على الانتظار إلى أن يوجد مثلها ولا يصار إلى القيمة إلا إذا تراضيا عليها.
ومبنى قولهم بوجوب المثل مطلقا دون القيمة هو عدم صحة القرض عندهم إلا في المثليات.
والثاني: للشافعية في الأصح والمالكية , وهو أن المقترض مخير في أن يرد مثل الذي اقترضه إذا كان مثليا , لأنه أقرب إلى حقه , وبين أن يرده بعينه إذا لم يتغير بزيادة أو نقصان.
أما إذا كان قيميا , فله أن يرده بعينه ما دامت على حالها لم تتغير , أو بمثله صورة , لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه استسلف بكرا ورد رباعيا وقال إن خياركم أحسنكم قضاء. رواه مسلم ١
والثالث: للحنابلة , حيث فرقوا بين ما إذا كان محل القرض مثليا , مكيلا أو موزونا , وبين ما إذا كان قيميا لا ينضبط بالصفة كالجواهر ونحوها , وبين ما إذا كان سوى ذلك.
فإن كان مثليا من المكيلات أو الموزونات , فيلزم المقترض مثله. ولو أراد رده بعينه , فيجبر المقرض على قبوله ما لم تتغير عينه بعيب أو نقصان أو نحو ذلك , سواء تغير سعره أو لا , لأنه رده على صفة حقه.
وإن كان قيميا لا ينضبط بالصفة , كالجواهر ونحوها مما تختلف قيمته كثيرا , فيلزم المقترض قيمته يوم القبض , لأنه وقت الثبوت في الذمة. ولو أراد المقترض رده بعينه , فلا يلزم المقرض قبوله - ولو كان باقيا على حاله لم يتغير - لأن الذي وجب له بالقرض قيمته , فلا يلزمه الاعتياض عنها.
وان كان محل القرض غير ذلك , ومثلوا له بالمذروع والمعدود , فيلزم المقترض - في الراجح - رد قيمته , لأن ما أوجب المثل في المثليات أوجب القيمة فيما لا مثل له , كالإتلاف. والمذروع والمعدود عندهم من القيميات. وتعتبر القيمة يوم القرض , لأنه وقت الثبوت في الذمة في هذه الحالة. وفي المرجوح: يجب رد مثله صورة , لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استقرض بكرا , ورد مثله صورة.