فلما أمر إذا لم يجدوا كاتبا بالرهن , ثم أباح ترك الرهن وقال {فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن} فدل على أن الأمر الأول دلالة على الحظ لا فرض فيه يعصي من تركه.
أحكام القرآن للجصاص (١ / ٤٨٢)
ولا خلاف بين فقهاء الأمصار أن الأمر بالكتابة والإشهاد والرهن المذكور جميعه في هذه الآية ندب وإرشاد إلى ما لنا فيه الحظ والصلاح والاحتياط للدين والدنيا , وأن شيئا من ذلك غير واجب. وقد نقلت الأمة خلفا عن سلف عقود المداينات والأشربة والبياعات في أمصارهم من غير إشهاد , مع علم فقهائهم بذلك من غير نكير منهم عليهم , ولو كان الإشهاد واجبا لما تركوا النكير على تاركه مع علمهم به. وفي ذلك دليل على أنهم رأوه ندبا , وذلك منقول من عصر النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا.
أحكام القرآن للكيا الهراسي (١ / ٣٦٥)
إن الأمر بالإشهاد ندب لا واجب والذي يزيده وضوحا أنه قال {فإن أمن بعضكم بعضا} ومعلوما أن هذا الأمن لا يقع إلا بحسب الظن والتوهم , لا على وجه الحقيقة , وذلك يدل على أن الشهادة إنما أمر بها لطمأنينة قلبه لا لحق الشرع , فإنها لو كانت لحق الشرع لما قال {فإن أمن بعضكم} فلا ثقة بأمن العباد , إنما الاعتماد على ما يراه الشرع مصلحة , فالشهادة متى شرعت في النكاح لم تسقط بتراضيها وأمن بعضهم بعضا , فدل ذلك على أن الشهادة شرعت للطمأنينة. ولأن الله تعالى جعل لتوثيق الديون طرقا , منها الكتابة ومنها الرهن ومنها الإشهاد. ولا خلاف بين علماء الأمصار أن الرهن مشروع بطريق الندب لا بطريق الوجوب , فيعلم من ذلك مثله في الإشهاد.
المحلى (٨ / ٨٠)
فإن كان القرض إلى أجل ففرض عليهما أن يكتباه وأن يشهدا عليه عدلين فصاعدا أو رجلا وامرأتين عدولا فصاعدا. . . وليس يلزمه شيء من ذلك في الدين الحال لا في السفر ولا في الحضر.