للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الجهالة من الشوائب التي تؤثر على إرادة العاقدين. وإذا كانت الجهالة كثيرة (وتسمى الجهالة الفاحشة) فإنها تعتبر عيبا من عيوب العقد يؤدي لفساده إذا كان من عقود المعاوضات (المبادلات المتكافئة) .

فلابد من العلم بالمعقود عليه سواء في ذلك المبيع بتحديده بما يميزه عن غيره أو بيان صفاته أو مقداره , أو الثمن ببيان مقداره أو أجله إذا كان مؤجلا.

والحكمة في فساد العقد بوجود الجهالة فيه , أنه لا يتوافر التراضي المشترط في العقود , وذلك لأن الجهالة الفاحشة تؤدى إلى النزاع , كما لو باع شاة من قطيع , فإن المشتري يطالب بالأحسن والبائع يقدم الأسوأ والشريعة تمنع كل ما يفسد العلاقات ويسبب المشكلات وتحرص على وضع الضوابط التي يستقر بها التعامل , وتحقيق مصالح الاطراف المختلفة.

وإذا أمكن إزالة الجهالة في مجلس التعاقد فإن العقد ينقلب صحيحا لانتفاء السبب الذي أدى لفساد العقد.

كما أنه يستعان بالأعراف لدى التجار وأهل الصناعات بديلا عن كثير من البيانات , لأن الإحالة إلى العرف الصحيح والرجوع إليه , كثيرا ما تحقق المعلومية المشترطة في العقد.

بيع ما ليس عند الإنسان أو بيع ما لا يملك قال حكيم بن حزام رضي الله عنه قلت: يا رسول الله , يأتيني الرجل يسألني البيع , ليس عندي ما أبيعه , ثم أبتاعه من السوق , فقال: لاتبع ما ليس عندك.

أخرجه

أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.

والحالة الممنوعة هي أن يبيع فعلا ما ليس عنده ثم يشترى السلعة ويسلمها.

وهذا يجعل الربح حاصلا بدون ضمان , لأنه لا يخشى بقاء السلعة على ملكه وتعرضها للتلف , فيتسلمها ويسلمها فورا.

وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان ورخص في السلم.

والسلم أو السلف هو بيع أشياء موصوفة وصفا دقيقا مع تحديد موعد تسليمها ويشترط فيه دفع الثمن فورا حتى لا يكون المبيع والثمن مؤجلين.

عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنتين والثلاث فقال: من اسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم إلى اجل معلوم أخرجه البخاري ومسلم.

ومما يشترط لصحة عقد السلم أن تكون المبيعات به موجودة عند حلول الأجل , وهو مفيد لمن يفتقدون الأموال للإنفاق منها على الزراعة والصناعة لانهم يتسلمون الثمن فورا , وفي الوقت نفسه مفيد للمشترى لحصوله على أسعار منخفضة بسبب تأجيل تسلمه للمبيع.

وليس من الممنوع وعد البائع للمشترى الراغب في سلعة ليست متوافرة عند البائع بأنه سيشتريها ويبيعها إليه , لأن الوعد بالمبيع ليس بيعا , فلا ينطبق عليه أنه بيع ما ليس عند الإنسان.

فإذا ملكها الواعد فعلا قام ببيعها للموعود وهذه الصيغة مستخدمة لدى البنوك الإسلامية وتسمى: بيع المرابحة للآمر بالشراء.

بيعتان في بيعة عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة.

أخرجه أحمد والترمذي.

وفي رواية عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا أخرجه أبو داود والحاكم.

ومعنى أوكسهما: أنقصهما من حيث الثمن.

ولهذه المعاملة تسمية أخرى وهى (صفقتان في صفقة) والصفقة هي العقد. . . والصفقة تشمل البيع وغيره من العقود , كالإجارة والقرض وغيرهما.

وللفقهاء في تفسير (البيعتين في بيعة) آراء متعددة , وكلها من الصور الممنوعة شرعا , بصرف النظر عن الأصح منها في إطلاق هذا الاسم عليه , ومنها:

- إذا كان البيع بالأجل (وهو جائز شرعا مع زيادة الثمن عن البيع الحال) فالممنوع هو تحديد ثمنين في حالة النقد وفي حالة التأجيل وإبرام العقد دون اختيار احدهما بل يترك لمشيئة كل من العاقدين.

- أن يشترط المتعاقدان في العقد عقدا آخر كأن يقول احدهما: بعتك داري هذه بكذا على أن تؤجرني دارك لمدة سنة بكذا. . والممنوع إنما هو اشتراط عقد في عقد آخر أما إذا اشترط في العقد شرط فيه مصلحة ولا ينافى مقتضى العقد فهذا جائز.

أما الحكمة من منع (البيعتين في بيعة) بشتى التفسيرات فهي وجود الجهالة , وعدم استقرار التعامل للتردد في الثمن أو في الشيئين المعقود عليهما , وقد يرضى المتعاقدان إحدى الصفقتين دون الأخرى المربوطة بها , فيلغيانهما معا.

ويشبه هذا زواج الشغار , وهو إن يتزوج احد الرجلين اخت الآخر على أن يزوجه اخته بدون مهر , وهو ممنوع شرعا لما في ذلك من عدم الاستقرار في الزواجين لتعريض احدهما للفسخ بسبب فسخ الزواج الآخر.

البيع بالشرط عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل سلف وبيع , ولا شرطان في بيع , ولا ربح ما لم يضمن ولا بيع ما ليس عندك أخرجه الترمذي.

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قلت: يا رسول الله , إنا نسمع منك أحاديث أفتأذن لنا بكتابتها؟ قال: نعم , فكان أول ما كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة لا يجوز شرطان في بيع واحد , ولا بيع وسلف جميعا.. أخرجه النسائي.

فسر الإمام محمد بن الحسن السلف والبيع بأن يقول شخص لآخر: أبيعك داري هذه بكذا على أن تقرضني كذا.

وذلك لأن الانتفاع بالقرض هو من جملة الثمن حيث يكون منخفضا , والقرض هنا جر نفعا للمشترى المقرض , أو هو من جملة السلعة المبيعة إن كان المقرض هو البائع.

فهو وسيلة إلى الربا الممنوع شرعا , وإن كان في الظاهر بيعا , فيحرم سدا للذريعة.

وقد جاء في الحديث المذكور المنع من اشتراط شرطين في العقد الواحد , لأن في ذلك اضطرابا في التعاقد حين يوجد احد الشرطين دون الآخر , والحاجة تتحقق باشتراط شرط واحد مما لا ينافى مقتضى العقد وفيه نفع معلوم للبائع أو المشتري.

وإذا كان الشرط من مصلحة العقد فهو جائز حتى لو تعدد , مثل أن يشترط تقديم رهن , ويشترط تقديم كفيل أيضا , أو يشترط الخيار , لحديث: المسلمون عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو احل حراما.

بيع الثنيا بيع الثنيا هو أن يبيع شيئا ويستثنى بعضه دون تحديد كاف , مثل أن يبيع أشجارا ويستثنى بعض الأشجار غير المعلومة فلا يصح البيع وقد ورد في ذلك حديث رواه جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنيا إلا أن تعلم أخرجه مسلم والترمذي.

إذا كان المستثنى من المبيع معلوما صح البيع , مثل أن يستثنى شجرة معلومة من الأشجار التي يبيعها.

وكذلك لو باع شيئا واستثنى منه جزءا شائعا كالربع أو الثلث فإنه بيع صحيح , للعلم بالمبيع في أجزائه.

لقد وضع الفقهاء قاعدة لما يصح استثناؤه , وهى أن كل ما جاز أن يقع عليه التعاقد بانفراده يصح استثناؤه من الصفقة مثل أن يبيع قطيعا من الغنم ويستثنى شاة معينة , ولا يصح استثناء ما لا يصح بيعه منفردا مثل: بيع قطيع إلا شاة غير معينة , أو بيع شاة واستثناء حملها.

هذا , ويجوز بيع شاة واستثناء بعض أعضائها كالرأس والجلد والأكارع.

لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج من مكة مهاجرا إلى المدينة ومعه أبو بكر وعامر بن فهيرة رضي الله عنه لما مروا براعي غنم فاشتروا منه شاة وشرطوا له سلبها أي جلدها وأكارعها وبطنها.

والحكمة في ذلك أنه ليس كل الناس يمكنه الانتفاع بالجلد والسواقط فجاز شراء اللحم دونها.

<<  <  ج: ص:  >  >>