للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اتفق الفقهاء على أن قبض العقار يكون بالتسليم الفعلي أو بالتخلية أي رفع المانع من القبض أو التمكن من إثبات اليد بارتفاع الموانع , فيخلى بين المرتهن والمرهون , ويمكن من إثبات يده عليه.

أما قبض المنقول: ففي ظاهر الرواية عند الحنفية: أنه يكتفي فيه بالتخلية , فإذا حصلت صار الراهن مسلما والمرتهن قابضا , لأن التخلية تعتبر إقباضا في العرف والشرع.

أما في العرف: فلأنه لا يكون في العقار إلا بها , فيقال هذه الأرض أو الدار في يد فلان , فلا يفهم منه إلا التخلي وهو التمكن من التصرف.

وأما في الشرع: فإن التخلية تعتبر إقباضا في البيع بالإجماع من غير نقل أو تحويل.

وهذا الرأي هو المعقول تمشيا مع طبيعة التعامل وسرعته.

وقال أبو يوسف لا تكفي التخلية في المنقول , وإنما يشترط فيه النقل والتحويل , فما لم يوجد لا يصير المرتهن قابضا , لأن القبض ورد مطلقا في الآية: {فرهان مقبوضة} فينصرف إلى القبض الحقيقي , وهو لا يتحقق إلا بالنقل.

أما التخلية فالذي يتحقق بها قبض حكمي , فلا يكفي فيه.

ثم إن قبض الرهن يترتب إنشاء ضمان على المرتهن لم يكن ثابتا قبل العقد , فلا بد فيه من تمام النقل بالقبض ليحدث الضمان , كالشأن في الغصب , بخلاف البيع فإن الذي يترتب عليه إنما هو نقل الضمان من البائع للمشترى , فيكتفي فيه بالتخلية.

لكن يلاحظ أن هذا الفرق بين الرهن والبيع لا تأثير له.

ويتفق الشافعية والحنابلة مع أبي يوسف فإنهم قالوا: المراد بالقبض هو القبض المعهود في البيع , فقبض الرهن كقبض البيع , فإن كان عقارا أو مما لا ينقل كالدور والأرضين , يكون قبضه بالتخلية , أي تخلية راهنه بينه وبين المرتهن من غير حائل , وذلك ينطبق على الثمر على الشجر والزرع في الأرض , وإن كان منقولا , فقبضه يكون بنقله أو تناوله , أي أخذه إياه من راهنه فعلا.

فإن كان كالحلي فيتم قبضه بنقله , وان كان كالدراهم والثوب فيتم نقله بتناوله , وان كان مكيلا أو موزونا فقبضه يكون بكيله أو وزنه , وإن كان مزروعا فقبضه بزرعه , وإن كان معدودا فقبضه بعده , ويعتبر العرف المتعارف في المذكور كله.

والقبض عند المالكية هو الحوز أو الحيازة للآية الشريفة: {فرهان مقبوضة} والظاهر أن المقصود من قبض الرهن: هو تأمين الدائن المرتهن , والقاء الثقة والطمأنينة في نفسه , بتمكينه من حبس المرهون تحت يده , حتى يستوفي منه دينه , وليس المقصود من اشتراط القبض هو التعبد , أي تنفيذ المطلوب بدون معنى.

وبناء عليه يصح أن يقوم مقام القبض كل وسيلة تؤدي إلى تأمين الدائن , ومنها ما أحدثه القانون المدني من الرهن الرسمي في العقار , بوضع إشارة الرهن في صحيفة العقار في دائرة التسجيل العقاري , فهو محقق لحفظ المرهون وبقائه ضمانا للدائن , وتأمينا لمصلحته , فيقوم هذا مقام القبض المطلوب شرعا.

وهذا ما أقره المالكية من جواز الرهن الرسمي , بالإضافة لمشروعية الرهن الحيازي المتفق عليه بين الفقهاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>