يتولى قبض الرهن المرتهن أو وكيله ولا يصح أن يكون وكيله هو الراهن , لأن المقصود من القبض تأمين المرتهن , ولا يتم القبض مع بقاء الرهن في يد الراهن.
ويجوز أن يتفق الراهن والمرتهن على أن يوضع الرهن عند شخص يختارانه , فيقبضه ويحفظه عنده ويسمى بالعدل , لأن الراهن قد يكره وضعه عند المرتهن , والمرتهن قد يكره وضعه عنده , خوف الضمان إذا تلف , أو لسبب آخر.
فالعدل هو الذي يثق الراهن والمرتهن بكون الرهن في يده لحفظه وحيازته , ويعتبر نائبا عن الراهن والمرتهن جميعا.
أما الراهن فلقيامه على حفظ المرهون باختيار الراهن وثقته به واطمئنانه إلى أمانته.
وأما المرتهن فيعد العدل وكيلا عنه في القبض برضا المرتهن , بل إنه يعد احتباسه للرهن استيفاء عن الراهن للدين من وجه.
فإذا قبض العدل الرهن صح قبضه , ولزم الرهن به عند جمهور الفقهاء لأنه قبض في عقد , فجاز فيه التوكيل كسائر أنواع القبض وكان العدل وكيلا من المرتهن في القبض بالنسبة لمالية الرهن بصفة الضمان , وإن كان وكيلا أيضا عن الراهن بالنسبة لعين الرهن بصفة الأمانة , ويد الضمان غير يد الأمانة.
وعليه يكون للعدل أو الأمين صفتين: صفة الأمانة باعتباره نائبا عن الراهن المالك , وصفة الضمان باعتباره نائبا عن المرتهن.
وبما أن العدل وكيل عن الراهن والمرتهن , فيشترط فيه ما يشترط في الوكيل , فلا يكون صغيرا غير مميز , ولا محجورا عليه لجنون أو عته عند جميع الفقهاء , كما لا يكون صبيا مميزا ولا محجورا عليه لسفه عند الجمهور غير الحنفية.
ويجب على العدل أن يحفظ الرهن كما يحفظ ماله , فيحفظ بنفسه أو بواسطة من يحفظ ماله عنده , لأنه في الحفظ بحكم وديعة.
وعليه أن يبقيه تحت يده , فليس له أن يدفعه إلى الراهن أو إلى المرتهن إلا بإذن الآخر , لاتفاقهما على وضع الرهن تحت يده , وعدم رضا كل منهما عن حفظ الآخر له , فإذا سلمه كان ضامنا.
وليس له أن ينتفع بالرهن , ولا أن يتصرف فيه بالإجارة أو الإعارة أو الرهن , لأن الواجب عليه الإمساك , وليس له حق الانتفاع والتصرف.
وذهب الشافعية والحنابلة بأن العدل ينعزل بعزل الراهن له , سواء اشترط تعيينه في عقد الرهن أم بعده لأنه وكيله , والوكالة عقد جائز غير لازم فلا يجبر الراهن على إبقائها.
ولكن لا ينعزل عندهم بعزل المرتهن , لأنه ليس وكيلا له.
ويرى الحنفية أنه إذا كان تعيين العدل عقب الرهن , فللراهن عزله , ولا ينعزل فيما إذا كان التعيين في نفس عقد الرهن.
وقال الإمام مالك أيضا: لا ينعزل العدل بعزل الراهن , لأن وكالته صارت من حقوق الرهن , فلم يكن للراهن إسقاطه كسائر حقوقه.
وخلافا لما ذهب إليه الجمهور من جواز وضع الرهن عند عدل , قال بعض العلماء كابن أبي ليلى وزفر وقتادة لا يصح قبض العدل , لأن القبض من تمام العقد , فوجب أن يقوم به أحد العاقدين , وهو المرتهن , كالقبول والإيجاب.