أجاز المالكية دون غيرهم رهن الدين.
الحنفية: لا يجوز رهن الدين لأنه ليس مالا , لأن المال عندهم لا يكون إلا عينا , ولا يتصور فيه القبض , والقبض لا يكون إلا للعين.
فلو كان خالد دائنا لعمر مئة دينار , وعمر دائن لخالد بمئة رطل حنطة (بر) لم يجز لعمر أن يجعل دينه من الحنطة رهنا عند خالد بدينه الذي يستحقه قبل عمر , فهذا رهن الدين عند المدين , حيث جعل الدين الذي للدائن رهنا في الدين الذي عليه.
ويوافقهم الشافعية والحنابلة في الأصح , حيث إنهم شرطوا كون المرهون عينا يصح بيعها , فلا يصح رهن دين ولو ممن هو عليه , أو من هو عنده , لأنه غير مقدور على تسليمه.
لكن امتناع رهن الدين عند الشافعية هو في حالة جعل الدين رهنا ابتداء , أما في حالة البقاء فلا مانع من الرهن , كضمان المرهون عند الجناية عليه , فبدله في ذمة الجاني يكون رهنا بالدين على الأرجح , لأن الدين قد يصير رهنا ضرورة في البقاء , حتى امتنع على الراهن أن يبرئه منه , بلا رضا المرتهن.
ورأي المالكية: أنه يجوز رهن كل ما يباع ومنه الدين لجواز بيعه عندهم , فيجوز رهنه من المدين ومن غيره.
وقد ذكرنا صورة رهنه من المدين.
أما صور رهنه من غير المدين: أن يكون لخالد دين عند عمر , ولعمر دين على أحمد , فيرهن عمر دينه الثابت له في ذمة أحمد لدى خالد بدينه الثابت له في ذمته (أي ذمة عمر) والطريقة: هي أن يدفع له وثيقة الدين الذي على أحمد , حتى يوفيه دينه.
جاء في تقنين الإمارات تنظيم رهن الدين المستمد من الفقه المالكي
ففي (م١٤٩١) : (من رهن دينا له يلزمه أن يسلم إلى المرتهن السند المثبت لهذا الدين) .
وفي (م ١٤٩٢) : (لا يكون رهن الدين نافذا في حق المدين إلا بإعلان هذا الرهن إليه أو بقبوله له.
ولا يكون نافذا في حق غير المدين إلا بحيازة المرتهن لسند الدين المرتهن.
وتحسب للرهن مرتبة من التاريخ الثابت للإعلان أو القبول) .
وجاء في المذكرة الإيضاحية: والرأي بعدم جواز رهن الدين لاحتمال الغرر مردود , مع قيام النصوص بضرورة توثيق سند الدين , وإعلان المدين , ومع قيام ضمانات عدم التغرير , ومثال ذلك رهن سندات على الدولة , وهي الدين على الدولة , ولا خلاف في قوة ضمانها وانتفاء التغرير , وتقاس عليها الأسهم والسندات والديون المتداولة في المعاملات.
ويقع رهن الدين باعتباره منقولا , وتتغير أحكامه بما يتفق وطبيعة الدين , فيتم باتفاق الراهن والمرتهن , وقبض الأخير لسند الدين , على أن يثبت الاتفاق بسند موثق , ولا يعتبر نافذا إلا بإعلان المدين أو بقبوله سندا ثابت التاريخ , كما هو الأمر في حوالة الدين , على أن تحسب مرتبة الرهن من تاريخ الإعلان أو تاريخ قبول المدين.
ولا يكون نافذا في حق الغير إلا بحيازة المرتهن سند الدين شأن رهن المنقول حيازيا.
أما في السندات الرسمية أو الإذنية , فإن الرهن يتم بالطريقة القانونية لحوالتها على أن يذكر أن الحوالة تمت على سبيل الرهن , وتعتبر السندات لحاملها كالمنقولات المادية , وتجري عليها أحكامها , ويشترط في الدين حتى يمكن رهنه أن يكون قابلا للحوالة أو الحجز , فلا يجوز رهن دين النفقة , أو معاش التقاعد أو الديون التي لا يجوز الحجز عليها.
وجاء في مواهب الجليل للحطاب (٥ / ٤) : وذكر في التوضيح وغيره أن رهن الدين يصح ولو على غائب , ويكفي في حوزه الإشهاد , والظاهر هنا الصحة أيضا , والله أعلم.
يتبين من هذا أنه في صورة رهن الدين من غير المدين لا بد فقها من قبض وثيقة الحق , والإشهاد على حيازتها.
أما صورة رهن الدين من المدين فيشترط لصحتها , سواء أكان الدينان من قرض أو بيع , أن يكون أجل الدين المرهون هو أجل الدين المرهون به أو أبعد منه , بأن يحل الدينان في وقت واحد , أو يحل دين الرهن بعد حلول الدين المرهون به.
أما إذا كان أجل حلول الدين المرهون أقرب , أو كان الدين المرهون حالا , فرهنه لا يصح , لأنه يؤدى إلى إقراض نظير إقراض , إن كان الدينان من قرض , وإلى اجتماع بيع وسلف إن كانا من بيع , لأن بقاء الدين المرهون بعد أجله عند المدين به , يعد سلفا في نظير سلف الدين المرهون به.
وإذا كان الدينان من بيع , فبقاء الدين المرهون يعد سلفا مصاحبا للبيع , وهو ممنوع عند المالكية.