للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبدأ العام في تعلق الدين بالرهن هو عدم تجزئة الرهن عند الوفاء بجزء من الدين , أو أن الرهن حق لا يتجزأ , فإذا رهنت عين بدين , تعلق الدين بجميع أجزاء العين المرهونة أو بجميع وحداتها , كما أنها هي رهن بجميع أجزاء الدين.

فإذا سقط جزء من الدين بإبراء أو وفاء مثلا , ظل باقيه متعلقا بجميع العين المرهونة , أي يبقى الرهن حتى يتم الوفاء بكل الدين , وبناء عليه , يكون الرهن مرهونا مقابل مجموع الدين , لأنه أضيف إلى مجموع الدين بصفة واحدة , فلا يكون نصف الرهن مقابل نصف الدين.

والدين الذي تعلق بالرهن: هو الذي جعل المال رهنا به فقط , ولا يتعلق غيره من الديون بالمرهون.

وعلى أساس هذا التعلق , يثبت حق الحبس للمرتهن , فله حبس جميع المرهون , حتى يوفى بكل الدين , سواء أكان المال شيئا أم عدة أشياء.

وهذا المبدأ أو الأصل متفق عليه بين الفقهاء , لكنهم اختلفوا في تطبيقه في حالة تعدد العقد وعدم تعدده:

فذهب الحنفية: إلى أن اتحاد العقد يقوم على اتحاد الصيغة , فإذا اتحدت الصيغة اتحد العقد , سواء أكان الرهن في دين واحد أم أكثر , فلو وفي المدين أحد الديون , لا يسترد ما يقابله من المرهون , سواء اتحد المرهون أم تعدد.

ولو وفي الراهن ما يقابل أحد الأعيان المرهونة لا يسترده , حتى ولو سمي في عقد الرهن لكل عين مرهونة حصة من الدين , لأن العقد واحد ولا يتعدد بالتسمية.

وسواء تعدد الراهن (كأن يرهن مدينان شيئا عند دائن) أو تعدد المرتهن (بأن كانا شريكين أو كان لكل واحد منهما دين مستقل على الراهن) .

فإذا اتحد العقد , لا يتحرر شيء من الرهن لأن الرهن محبوس بجميع الديون , أو بجميع الدين.

وإذا تعدد العقد بتعدد الصيغة , يتحرر من الرهن ما يقابله.

وارتأى المالكية: أنه يتعدد العقد بتعدد كل من الراهن والمرتهن , أو بتعدد أحد الطرفين.

ويكون عقد الرهن واحدا إذا كان كل من الراهن والمرتهن واحدا.

فإذا اتحد عقد الرهن , يكون جميع المرهون رهنا بما بقي من الدين بعد وفاء بعضه , لأن كل جزء من المرهون رهن بكل جزء من الدين.

وإذا تعدد الرهن بأن كان الراهن اثنين والمرتهن واحدا , فوفي أحد الرهنين ما عليه من دين , استرد حصته.

أو كان الراهن واحدا والمرتهن متعددا , فوفى الراهن أحد الدائنين , فإنه يسترد من الرهن ما قابلها.

ولكن في هذه الحالة الأخيرة إذا كان المرهون مما لا ينقسم ووفى أحد الدائنين , يجعل الرهن تحت يد أمين , أو تبقى الحصة في يد المرتهن أمانة.

ووافق الحنابلة المالكية , فقالوا يتعدد العقد بتعدد الموجب أو القابل , فإذا كان الموجب اثنين والقابل واحدا , نشأ عقدان.

وإذا كان الموجب واحدا والقابل اثنين , نشأ أيضا عقدان.

وإذا كان كل من الموجب والقابل اثنين , نشأ أربعة عقود. ويكون عقد الرهن واحدا إذا كان من الراهن والمرتهن واحدا , سواء أكان الدين واحدا أم متعددا.

فإذا وفى المدين بعض الدين , أو وفى دينا من الديون , لم يكن له أن يسترد ما يقابله من الرهن.

وإذا تعدد الراهن , فمن وفي دينه خرجت حصته من الرهن.

وإذا تعدد المرتهن , فوفى الراهن أحد الدائنين خرجت حصته من الرهن واستردها الراهن.

وقرر الشافعية: أنه يتعدد الرهن ويتحد بتعدد الدين ووحدته , والغالب أن يتعدد الدين بتعدد العاقدين , ولو اتحد وكيلهما , بخلاف البيع , والعبرة فيه بتعدد العاقد المباشر للعقد , ولو وكيلا , لأن المال المرهون وثيقة بالدين , فإذا تعدد الدين تعددت الوثيقة , وتعدد الدائن أو المدين يستلزم تعدد الدين غالبا.

أما البيع فهو عقد ضمان , فكان النظر فيه لمن باشره.

فالمناط عندهم هو تعدد الدين وعدم تعدده , ويتعدد الدين بتعدد المدين أو الدائن غالبا , ويتحد بعدم تعددهما , أو بكون الدين مشتركا ولوكان اثنين , وهذه الحالة الأخيرة هي التي تفرق مذهب الشافعية عن مذهبي المالكية والحنابلة.

وبناء عليه , لو رهن شخص دارا عند دائنين , ثم وفي دين أحدهما , انفك من الرهن ما يقابل هذا الدين من المرهون , لتعدد الدين بسبب تعدد الدائن , بشرط أن يختص أحد الدائنين بما يقبضه , فإن شاركه فيه الآخر لم ينفك شيء من الرهن لعدم وفاء الدين على التمام.

ولو استعار مالا من اثنين ليرهنه , ثم أدى نصف الدين , انفك نصف المال المرهون.

فالعبرة باتفاق الفقهاء في فكاك شيء من المرهون , أو عدم فكاكه , بتعدد عقد الرهن وعدم تعدده , إلا أن مناط مناط تعدده عند الحنفية: هو تعدد الصيغة , دون نظر لتعدد العاقدين أو عدم تعددهما.

ومناطه عند المالكية والحنابلة: هو تعدد العاقد. وعند الشافعية: هو تعدد الدين وعدم تعدده , ويتعدد الدين عندهم بتعدد العاقد غالبا , فيصبح مذهبهم قريبا من مذهبي المالكية والحنابلة , فتكون العبرة عند الجمهور بتعدد العاقد إلا إذا كان الدين مشتركا وكان الدائن اثنين , يعد الرهن واحدا عند الشافعية.

<<  <  ج: ص:  >  >>