الغبن الاستغلالي
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غبن المسترسل حرام وفي رواية: غبن المسترسل ظلم أخرجه الطبراني.
المسترسل: المستسلم للبائع. الغبن في اللغة النقص , والخداع في البيع والشراء , ومعناه عند الفقهاء: عدم التكافؤ بين قيمة البدلين في عقد المعاوضة.
والغبن نوعان: غبن كثير , وغبن يسير. والغبن الكثير ويسمى (غبنا فاحشا) هو ما لم تجر به عادة الناس , أو ما يتجاوز أكبر تقويم للسلعة من ذوى الخبرة.
وقدره بعضهم بما يزيد عن الثلث , والغبن اليسير عكسه , ولا أثر له على العقد , ولا يطالب من وقع عليه غبن يسير بالتعويض , وذلك لكثرة وقوعه في المعاملات وصعوبة التحرز عنه.
الغبن الفاحش لا يترتب عليه أي حق للمغبون إذا كان عالما بالغبن أثناء التعاقد , فإذا علم وسكت فالعقد نافذ , لحصول الرضا منه.
وأما إن كان المغبون غير عالم بالغبن فإنه يثبت الخيار (حق الفسخ) في الحالات التالية التي يوجد فيها مع الغبن تغرير بالمشتري:
أ - إذا كان المشتري مسترسلا: أي مستسلما للبائع جاهلا بثمن السلعة.
ب - إذا قال المشتري للبائع: بعني كما تبيع الناس , فباعه بأزيد من ذلك.
ج - إذا كان الشراء لصالح قاصر أو مفلس.
أما الغبن الفاحش الخالي عن التغرير فإنه لا يترتب عليه الخيار للمغبون , لأن نقصان قيمة السلعة مع سلامتها من العيوب لا يمنع لزوم العقد , والمشتري هو المفرط في ترك التأمل. مع كراهة هذا الغبن.
وهناك من الغبن نوع يترتب عليه الحق في تعديل السعر , وهو ما يقع في بيوع الأمانة التي يحدد فيها الثمن بحسب ما اشتراه البائع أو بالتكلفة وهو بيع التولية , أو مع الربح وهو بيع المرابحة , فإذا ظهرت خيانة في بيان ذلك فإن الغبن يلغى ويصحح الثمن.
تلقى الركبان
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتلقى الركبان أخرجه مسلم في صحيحه.
وفي رواية: لا تلقوا الجلب فمن تلقاه فاشتري منه , فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار.
والمراد بالركبان هم القادمون إلى البلد , والتلقي هو الخروج إلى خارج البلد لشراء الأرزاق المجلوبة إليه قبل أن تهبط إلى الأسواق.
ومعنى الجلب: الأشياء المجلوبة إلى البلد من خارجه.
والحكمة في النهي عن الشراء بتلقي الركبان منع الغبن والإضرار. لأن المتلقين للركبان ربما غبنوهم غبنا فاحشا بشراء السلع منهم بأثمان بخسة مستغلين جهلهم بالأسعار , وربما أضر ذلك بالبلد أيضا لأن الركبان إذا وصلوا البلد باعوا أمتعتهم فورا , والذين يتلقونهم لا يبيعونها بسرعة ويتربصون بها أسعارا مرتفعة.
والمقصود بالخيار الذي أثبته الحديث للراكب المتلقى هو إعطاؤه حق فسخ الصفقة إذا دخل السوق وعرف أنه قد غبن.
على أن العقد هنا صحيح لأن النهي ليس لمعنى خاص بالبيع نفسه بل لما قد يقع فيه من الخديعة , وهي حالة يمكن استدراكها بإثبات الخيار للمغبون.
بيع الحاضر للبادي
عن ابن عباس رضي الله عنه قال نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أن نتلقى الركبان وأن يبيع حاضر لباد.
فقيل لابن عباس ما قوله (حاضر لباد) ؟ قال: لا يكون له سمسارا , أخرجه مسلم.
ومعنى السمسرة هو التوسط بين البائع والمشتري بأجرة معلومة , لتسهيل الصفقة , وهي جائزة شرعا.
والممنوع منها هو ما كان بين البادي وأهل الحضر.
والحكمة من النهى عن أن يتولى الحاضر (أي المقيم بالبلد) عملية بيع ما يجلبه البادي (أي القادم من البادية أو القرى) الحكمة هي دفع الضرر عن الناس , لأن توسط شخص بين الحاضر والبادي يؤدى إلى زيادة الأسعار عما كان البادي مستعدا للبيع به.
قال النبي صلى الله عليه وسلم دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض. أخرجه مسلم.
أما السمسرة بين الحاضر والحاضر فليس فيها ضرر لأن الأسعار معلومة للطرفين.
ولا تؤدى السمسرة هنا إلى ارتفاعها وحدوث الغلاء بل تقرب وجهات نظر الطرفين لتمام الصفقة وهي عمل نافع لهما وللسمسار لأن كثيرا من الناس لا يعرف طرق الوصول إلى شراء وبيع واستئجار ما يرغبون فيه وقد اصبح للسمسرة في العصر الحاضر أهمية كبيرة في التجارة والأسواق المالية.
النجش
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تناجشوا.
وعن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النجش. أخرجه البخاري ومسلم.
ومعنى النجش , والتناجش: الإثارة يقال: نجش الطائر: إذا أثاره من مكان ليصيده.
ويأتي أيضا بمعنى الاستتار , لأن ما قصده الناجش مستور.
ويحصل النجش المنهي عنه شرعا بأن يزيد شخص في ثمن سلعة معروضة للبيع ليس له حاجة بها وذلك ليخدع غيره فيظن أنها تساوى ذلك الثمن فيغتر بهذه المساومة التي لم تحصل لرغبته في الشراء , ولكن للتغرير قاصدا من ذلك نفع البائع على حساب إلحاق الضرر بالمشتري.
وكذلك يتحقق النجش بمدح السلعة بما ليس فيها بقصد ترويجها فهو كما لو زاد في ثمنها لتوريط المشتري.
وغالبا ما يكون الناجش متواطئا مع البائع أو يكون البائع عالما بالنجش ويسكت ليغتر المشتري.
ويكثر النجش في حالات المزايدة حيث يطرح بعض الأشخاص سعرا وليس في نيته الشراء.
الحكمة في المنع من النجش وتحريمه ما فيه من الخداع والتدليس , ولذلك يثبت الخيار لمن اشترى السلعة بتأثير النجش , فله الحق في أن يوافق على الصفقة أو يفسخها.
أما العقد في ذاته فهو صحيح , وذهب بعض الفقهاء إلى إبطاله أصلا.
إعطاء الخيار للمشترى بسبب النجش مشروط بأن تكون الزيادة في قيمة السلعة متجاوزة لقيمتها في السوق. . وهذا مع اتفاق جميع الفقهاء على تحريم النجش وتأثيم الناجش بل استدل بعضهم لجواز لعنه بحديث رواه الطبراني الناجش آكل ربا خائن ملعون.
مخالفة التسعير
التسعير: تقدير ولى الأمر سعرا معلوما وإجبار الباعة على التزامه.
والأصل عدم التسعير وإطلاق الحرية للباعة في البيع بما يقع عليه التراضي , لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} (النساء: ٢٩) وروى أنس رضي الله عنه أنه غلا السعر في المدينة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الناس: يا رسول الله , غلا السعر فسعر لنا , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله هو المسعر القابض الباسط الرزاق , إني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال. أخرجه أبو داود والترمذي.
وهذا الحديث هو للحالة التي لا يصل فيها الغلاء إلى مستوى ضار.
وهناك حالات يحق فيها لولي الأمر التسعير , درءا للضرر عن الجماعة , وهى: مجاوزة أسعار الأطعمة للقيمة بشكل غير مألوف.
احتكار التجار للسلع , فيجبر أصحابها على البيع بسعر يحدده ولي الأمر.
انحصار بيع بعض السلع بفئات مخصوصة ومنع غيرها , فتحدد الأسعار منعا للتحكم.
تواطؤ التجار على البيع بسعر يحقق ربحا فاحشا.
ففي هذه الحالات يجوز التسعير , لما فيه من صيانة حقوق الناس وصلاح أمرهم ودفع الضرر عن جماعتهم , بالرغم من تأثير ذلك على التجار , لأن درء الضرر العام مقدم على درء الضرر الخاص. ينطبق جواز التسعير في التجارة على الصناعة أيضا , فإذا امتنع الصناع عن العمل إلا بسعر مرتفع جدا عن اجر المثل , فإن لولي الأمر تسعير الأجور , حماية للناس من الظلم.
وحكم البيع المخالف للتسعير أنه صحيح , ولكن لولى الأمر تعزير من خالف التسعير , لوجوب الطاعة في المعروف بما يحقق مصلحة المجتمع.
الاحتكار
معنى الاحتكار هو امتلاك السلع في وقت الغلاء وحبسها لبيعها عند اشتداد الحاجة , والمحتكر لا يستجيب لمتطلبات السوق , بل يدخر الأشياء رغم دواعي بيعها بربح معقول , وينتظر تقلب الأسواق ليحقق من بيع ما ادخره أرباحا كبيرة , من غير مبالاة بما يلحق الناس من الضرر بحبس الأشياء عنهم , وكثيرا ما يتلف المحتكرون كميات كبيرة مما احتكروه للتحكم بالسوق ورفع الأسعار.
وروى معمر بن أبي معمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من احتكر فهو خاطئ أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي.
وروى معقل بن يسار رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم كان حقا على الله أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة. أخرجه أحمد والطبراني.
وللفقهاء آراء متعددة في تفسير الأشياء التي يعتبر حبسها احتكارا , فبعضهم خص ذلك بالأقوات (المواد الغذائية) , وبعضهم عممه في كل شيء من الأقوات وغيرها من سائر السلع التي يلحق الناس بحبسها ضرر.
إذا علم ولي الأمر بوقوع الاحتكار فإنه يأمر المحتكر بإخراج ما احتكره وعرضه في السوق لبيعه , فإن امتنع اجبره , أو تولى بيعه عنه وأعطاه مثله عند وجوده أو قيمته , وذلك لأن الاحتكار فيه تسلط على الأسواق وله آثار سلبية على الاقتصاد فهو يهدد حرية التجارة , ويسد أبواب الفرص أمام الناس ويقتل روح المنافسة.