للفقهاء في انتفاع الراهن بالرهن اتجاهان:
اتجاه الجمهور بعدم جواز الانتفاع , واتجاه الشافعية بالجواز ما لم يضر المرتهن.
وهذا تفصيل الأقوال.
يرى الحنفية: أنه ليس للراهن أن ينتفع بالمرهون استخداما أو ركوبا أو لبسا أو سكنى وغيرها إلا بإذن المرتهن.
كما أنه ليس للمرتهن الانتفاع بالرهن إلا بإذن الراهن.
ودليلهم على الحالة الأولي: أن حق الحبس ثابت للمرتهن على سبيل الدوام , وهذا يمنع الاسترداد.
فإن انتفع الراهن من غير إذن المرتهن , فشرب لبن البقرة المرهونة , أو أكل ثمر الشجر المرهون ونحوهما , ضمن قيمة ما انتفع به , لأنه تعدى بفعله على حق المرتهن , وتدخل القيمة التي هي بدل الاستهلاك في حبس المرتهن الرهن , ويتعلق بها الدين.
وإذا استعاد الراهن الرهن لاستعماله بدون إذن المرتهن , فركب الدابة المرهونة , أو لبس الثوب المرهون , أو سكن الدار المرهونة أو زرع الأرض , ارتفع ضمان المرتهن للرهن , وكان غاصبا للرهن , فيرد إلى المرتهن جبرا عنه.
وإذا هلك في يده هلك عليه.
فإن لم يترتب على انتفاع الراهن بالرهن رفع يد المرتهن , فله الانتفاع به , كإيجار آلة يشغلها المرتهن مثل آلة الطحن ونحوه , فأجر ما تطحنه حينئذ للراهن , لأن نماء الرهن وزوائده للراهن , وإذا أخذه المرتهن احتسب من دينه.
وهذا المذهب مبني على أن الرهن يلحق الزيادة المتولدة من الرهن متصلة أو منفصلة عنه.
والحنابلة مثل الحنفية: لا يجوز للراهن الانتفاع بالرهن إلا بإذن أو رضا المرتهن فليس له استخدامه ولا ركوبه ولا لبسه ولا سكناه.
وتعطل منافعه , أي على كره من الشرع , إذا لم يتفق الراهن والمرتهن على انتفاع الراهن , فتغلق الدار مثلا حتى يفك الرهن , لأن الرهن عين محبوسة , فلم يجز للمالك أن ينتفع بها , كالمبيع المحبوس لدى الراهن حتى يوفي ثمنه.
وهذا المذهب مبني على مبدأ كون جميع منافع الرهن ونمائه تكون رهنا مع أصلها كالحنفية تماما.
ولا يمنع الراهن من إصلاح الرهن ودفع الفساد عنه ومداواته إن احتاج إليها , وإنزاء الفحل على الأنثى المرهونة عند الحاجة.
وقرر المالكية عدم انتفاع الراهن بالرهن واعتبروا أن إذن المرتهن للراهن بالانتفاع مبطل للرهن ولو لم ينتفع , لأن الإذن بالانتفاع يعد تنازلا عن حقه في الرهن.
وبما أن منافع الرهن مملوكة للراهن , فله أن ينيب المرتهن في أن ينتفع بالرهن نيابة عنه ولحساب الراهن , حتى لا تتعطل منافع الرهن.
فإن عطل المرتهن استغلال المرهون , كإغلاق الدار , ضمن عند بعض المالكية أجرة المثل في مدة التعطيل , لأنه ضيعها عليه.
وقال بعضهم: لا يضمن , لأنه ليس عليه أن يستغل للراهن ماله.
وقال بعضهم: يضمن إلا إذا علم الراهن بالاستغلال , ولم ينكر عليه التعطيل.
وذهب الشافعية خلافا للجمهور إلى أن للراهن كل انتفاع بالرهن لا يترتب عليه نقص المرهون , كالركوب والاستخدام والسكنى واللبس , والحمل على الدابة أو السيارة , لأن منافع الرهن ونماءه ملك للراهن , ولا يتعلق بها الدين عندهم ولخبر الدارقطني والحاكم الرهن مركوب ومحلوب وخبر البخاري (الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا) .
أما ما يترتب عليه نقص قيمة الرهن , كالبناء والغرس في الأرض المرهونة , فلا يجوز للراهن إلا بإذن المرتهن مراعاة لحقه.
وللمرتهن أن يرجع عن إذنه قبل تصرف الراهن.
وإذا أمكن الراهن الانتفاع بالمرهون بغير استرداد كأن يكون دارا يسكنها , أو دابة أو سيارة يركبها , فيسترد للحاجة إليه , حتى إذا انتهى انتفاعه به , رده على المرتهن.