للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تصرف الراهن بالرهن إما أن يكون قبل التسليم أو بعد التسليم.

تصرف الراهن بالرهن قبل التسليم

ينفذ تصرف الراهن بالرهن قبل القبض بدون إذن المرتهن في رأي الحنفية والشافعية والحنابلة , لأنه لم يتعلق به حق المرتهن حينئذ , ولا يلزم الرهن قبل القبض.

أما المالكية القائلون بأن الرهن يلزم بالإيجاب والقبول , وبأن الراهن يجبر على تسليم الرهن للمرتهن , فيجيزون - بالرغم مما ذكر - للراهن أن يتصرف في الرهن قبل القبض , فلو باع الراهن الرهن المشترط في عقد البيع أو القرض , نفذ بيعه , إن فرط مرتهنه في طلبه حتى باعه , وصار دينه بلا رهن لتفريطه , فإن لم يفرط في الطلب وجد في المطالبة ففيه ثلاثة آراء:

الرأي الأول لابن القصار وهو أن للمرتهن رد البيع ولا ينفذ , إن كان المبيع باقيا , وإن فات (ذهب من يد البائع) كان ثمنه رهنا عنده مكانه , وينفذ البيع.

والرأي الثاني لابن أبي زيد القيرواني وهو نفاذ البيع , وجعل الثمن بدله رهنا.

والرأي الثالث لابن رشد وهو نفاذ البيع , ويصير الدين بلا رهن , ولا يكون الثمن رهنا بدله.

وأما إن كان الرهن متطوعا به بعد العقد , وباعه الراهن قبل أن يقبضه المرتهن , فينفذ بيعه , وهل يكون ثمنه رهنا أو لا يكون؟ فيه خلاف كالخلاف في بيع الهبة قبل قبض.

تصرف الراهن بالرهن بعد التسليم

لا يجوز تصرف الراهن بالرهن بعد التسليم , لأنه إذا سلم الراهن المرهون , وإن بقي على ملكه , ولكن تعلق به دين المرتهن , فاستحق حبسه وثيقة بالدين إلى أن يوفى عند الحنفية , ويصبح متعينا للبيع وثيقة بالدين عند بقية المذاهب.

وعلى كلا الرأيين: لا يجوز للراهن أن يتصرف بالرهن إلا بإذن المرتهن , لتعلق حقه به , فيتنازل عن حقه في حبس الرهن أو تعينه للبيع.

وتفصيل المذاهب يظهر فيما يأتي:

مذهب الحنفية: إذا باع الراهن المرهون بغير إذن المرتهن فالبيع موقوف , لتعلق حق الغير به فإن أجازه المرتهن أو قضاه الراهن دينه أو أبرأه المرتهن عن الدين جاز البيع ونفذ , وصار ثمنه في غير حال الوفاء بالدين رهنا مكانه في ظاهر الرواية , لأن البدل له حكم المبدل.

وإن لم يجزه , لم ينفسخ وبقي موقوفا في أصح الروايتين , وكان المشترى - في حال عدم علمه بأنه مرهون - بالخيار: إن شاء صبر إلى فك الرهن , أو رفع الأمر إلى القاضي بفسخ البيع.

ووجه ظاهر الرواية: أن حق المرتهن متعلق بمالية المرهون , فإذا بيع وأصبح الثمن بدلا عن المال المرهون , لم يتضرر المرتهن , لأن حقه لم يزل بالبيع.

مذهب المالكية: إذا تصرف الراهن بالرهن من غير إذن المرتهن , ببيع أو وإجارة أو هبة أو صدقة أو إعارة ونحوها , كان التصرف موقوفا على إجازة المرتهن , وبطل الرهن على المعتمد بمجرد الإذن (أي إذن المرتهن بالتصرف) وإن لم يتصرف الراهن , لاعتبار الإذن تنازلا عن الرهن.

مذهب الشافعية: ليس للراهن المقبض تصرف يزيل الملك كالهبة والبيع والوقف , مع غير المرتهن بغير إذنه , لأنه لو صح لفاتت الوثيقة.

كما لا يصح له رهن المرهون لغير المرتهن الأول عنده , ولا إجارة المرهون إن كان الدين حالا , أو يحل أجله قبل انقضاء مدة الإجارة , ويعد التصرف حينئذ باطلا.

فإن كان هذا التصرف مع المرتهن أو بإذنه فيصح , ويبطل الرهن , إلا في الإجارة فيستمر الرهن , ويصح للراهن كل تصرف لا يضر المرتهن , كالسكنى والركوب , كما تقدم.

ويصح له أيضا الإجارة إلى مدة لا تمتد إلى ما بعد حلول الدين , لأنه تصرف لا يمس حق المرتهن في بيع الرهن عند حلول الدين وعدم الوفاء.

مذهب الحنابلة: (كالشافعية) قالوا: إذا تصرف الراهن بالرهن تصرفا بغير إذن المرتهن , بطل التصرف , لأنه يؤدي إلى إبطال حق المرتهن بالوثيقة , سواء كان التصرف بيعا أو إجارة أو هبة أو رهنا وغيره.

وإذا أذن المرتهن بهذا التصرف صح , وبطل الرهن , إلا في الإجارة فيستمر الرهن في الأصح , كما أن الرهن يبقى بحاله مستمرا إذا كان التصرف إعارة أذن بها المرتهن.

<<  <  ج: ص:  >  >>