يشترط في المعقود عليه أن يكون مالا متقوما
لا خلاف بين الفقهاء أنه يشترط لصحة عقد السلم أن يكون كل من رأس المال والمسلم فيه مالا متقوما , فلا يجوز أن يكون أحدهما خمرا أو خنزيرا أو غير ذلك مما لا يعد مالا منتفعا به شرعا.
كما أنه يشترط لصحته ألا يكون البدلان مالين يتحقق في سلم أحدهما بالآخر ربا النسيئة , وذلك بألا يجمع البدلين أحد وصفي علة ربا الفضل , حيث إن المسلم فيه مؤجل في الذمة , فإذا جمعه مع رأس المال أحد وصفي علة ربا الفضل , تحقق ربا النساء فيه , وكان فاسدا باتفاق الفقهاء. وذلك لما روى البخاري ومسلم عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الذهب بالذهب , والفضة بالفضة , والبر بالبر , والشعير بالشعير , والتمر بالتمر , والملح بالملح , مثلا بمثل سواء بسواء , يدا بيد. فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد.
حالة كون السلم في النقود
وعلى هذا فقد نص جمهور الفقهاء من الشافعية والمالكية والحنابلة والظاهرية على جواز السلم في النقود , على أن يكون رأس المال من غيرها لئلا يفضي ذلك إلى ربا النساء.
قال ابن قدامة (لأنها تثبت في الذمة صداقا , فتثبت سلما كالعروض. ولأنه لا ربا بينهما من حيث التفاضل ولا النساء - لكون رأس المال عرضا غير نقد - فصح إسلام أحدهما في الآخر كالعرض في العرض) .
وخالفهم في ذلك الحنفية , وقالوا بعدم جواز كون المسلم فيه نقدا , لأن المسلم فيه لا بد أن يكون مثمنا , والنقود أثمان , فلا يصح أن تكون مسلما فيها.
قال الكاساني (لأن المسلم فيه مبيع , لما روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان , ورخص في السلم. سمى السلم بيعا , فكان المسلم فيه مبيعا , والمبيع مما يتعين بالتعيين , والدراهم والدنانير لا تتعين في عقود المعاوضات , فلم تكن مبيعة , فلا يجوز السلم فيها) .
وقد رد القاضي عبد الوهاب البغدادي مذهب الإمام أبي حنيفة مستندا في تجويز السلم في النقود على قوله صلى الله عليه وسلم من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم وهي من الموزونات , وبأن كل ما جاز أن يكون في الذمة ثمنا جاز أن يكون مسلما فيه , ولأن ضبطها بالصفة ممكن بذكر نوع فضتها أو ذهبها وسكتها ووزنها , فانتفى كل مانع , وتوفر مناط الجواز. أما احتجاجهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان (ورخص في السلم فغير مسلم , لأن الحديث الوارد عن النبي عليه الصلاة والسلام إنما هو النهي عن بيع ما ليس عندك , أما تتمة) ورخص في السلم (فلم ترو في الحديث , وإنما هي من كلام بعض الفقهاء.
حالة كون أحد البدلين أو كليهما من المنافع في السلم
اتجه الحنفية إلى أنه لا يجوز كون أي من البدلين في السلم منفعة , لأن المنافع لا تعتبر أموالا في مذهبهم , إذ المال عندهم) ما يميل إليه طبع الإنسان , ويمكن ادخاره لوقت الحاجة (م١٢٦ من المجلة العدلية) , والمنافع غير قابلة للإحراز والادخار , إذ هي أعراض تحدث شيئا فشيئا وآنا فآنا , وتنتهي بانتهاء وقتها , وما يحدث منها غير الذي ينتهي.
وعلى ذلك فلا يصح جعل المنافع بدلا في عقد السلم عندهم.
وخالفهم في ذلك جمهور الفقهاء من الشافعية والمالكية والحنابلة الذي اعتبروا المنافع أموالا بحد ذاتها , وأنها تحاز أصولها ومصادرها , وهي الأعيان المنتفع بها.
ومن ثم جاز عندهم أن تكون المنفعة رأس مال , كأن يقول: أسلمت إليك سكنى داري هذه سنة , أو خدمتي شهرا , أو تعليمي سورة كذا , في كذا إلى أجل كذا , صح ذلك السلم. كما جاز أن تكون المنفعة مسلما فيه , كأن يقول: أسلمت إليك عشرين دينارا في تعليمي سورة كذا بعد شهر أو في منفعة موصوفة في ذمتك إلى أجل , صح السلم.