لا خلاف بين الفقهاء في أنه يشترط في رأس المال أن يكون معلوما , وذلك لأنه بدل في عقد معاوضة مالية , فلا بد من كونه معلوما , كسائر عقود المعاوضات.
ورأس المال: إما أن يوصف في الذمة , ثم يعين في مجلس العقد , وإما أن يكون معينا عند العقد , كأن يكون حاضرا مشاهدا , ثم يقع العقد على عينه.
حالة كون رأس المال موصوفا
في هذه الحالة يجب أن ينص في عقد السلم على جنسه ونوعه وقدره وصفته , كأن يقول رب السلم: أسلمت إليك ألف ريال سعودي أو ألف دولار أمريكي , أو أردب قمح أسترالي أو كندي , من نوع جيد أو وسط أو رديء , كبير الحب أو صغيره. . إلخ , وذلك لأن قبول الطرف الآخر مبني على العلم بالبدل الذي يلتزم الطرف الأول بأدائه , ولا يتم هذا العلم إلا ببيان الجنس والنوع والقدر والصفة , مما يرفع الجهالة عن رأس المال.
حالة كون رأس المال نقودا
إذا كان رأس المال نقودا , وكان في البلد نقد غالب , انصرف الإطلاق إليه , ولا يحتاج إلى التصريح بالنوع. فلو كان العقد في مصر , وقال رب السلم: أسلمتك ألف جنيه في كذا. . انصرف ذلك إلى الجنيه المصري دون السوداني أو الإسترليني , لأن التعامل الغالب والدارج إنما هو فيه , فيكون هو المراد عند الإطلاق.
وعلى هذا , فإن قبل الطرف الآخر
وجب تعيين رأس المال وتسليمه إليه وفاء بالعقد.
حالة كون رأس المال معينا مشاهدا
إذا كان رأس المال معينا مشاهدا في مجلس العقد , فهل يصح إسلامه جزافا دون بيان قدره وصفاته؟ كأن يقول رب السلم: أسلمتك هذه الدنانير في كذا إلى أجل كذا , دون أن يبين عددها. أو: أسلمتك هذه الصبرة من القمح في كذا دون بيان قدرها.
وبعبارة أخرى: هل تعتبر الإشارة إلى رأس المال الحاضر كافية في رفع الجهالة عنه , واعتباره معلوما , أم لا بد من بيان القدر والصفات بالإضافة إلى ذلك؟
اختلف الفقهاء في ذلك على ثلاثة أقوال:
(القول الأول) : لأبي حنيفة والثوري والقاضي عبد الوهاب البغدادي من المالكية: وهو أنه لا يشترط ذكر صفات رأس مال السلم , سواء أكان مثليا أم قيميا , حيث إن المشاهدة تكفي في رفع الجهالة عن الأوصاف. أما قدره , فهناك فرق بين كون رأس المال مثليا يتعلق العقد بمقداره وبين كونه قيميا. فإن كان مثليا كالمكيلات والموزونات والزراعيات والعدديات المتقاربة , فإنه يجب بيان القدر , ولا تكفي المشاهدة. أما إذا كان قيميا , فلا يشترط بيان قدره , وتكفي الإشارة إليه.
(والقول الثاني) : للمالكية والصاحبين من الحنفية والشافعية في الأظهر وظاهر كلام الخرقي من الحنابلة: وهو أنه تكفي المعاينة إذا كان رأس مال السلم معينا , ولا يشترط ذكر قدره أو صفاته. وذلك لأنه عوض في عقد لا يقتضي رد المثل , فوجب أن تغني المشاهدة عن ذكر صفاته ومقداره , كالمهر والثمن في البيع.
(والقول الثالث) : للحنابلة على المعتمد عندهم والشافعي في قول: وهو أنه يجب ذكر مقداره وصفاته , ولا يصح السلم إلا ببيانها. وذلك لأنه لا يؤمن أن ينفسخ السلم بانقطاع المسلم فيه , فإذا لم يعرف مقداره وصفته لم يعرف ما يرده.