اشتراط أن يكون المسلم فيه مؤجلا عند الجمهور
اشترط جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة والظاهرية لصحة السلم أن يكون المسلم فيه مؤجلا , وقرروا عدم صحة السلم الحال.
ودليلهم على ذلك:
- قوله صلى الله عليه وسلم: من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم. حيث أمر عليه الصلاة والسلام بالأجل في السلم , وأمره يقتضي الوجوب , فيكون الأجل من جملة شروط صحة السلم , فلا يصح بدونه.
- أن السلم جوز رخصة للرفق , ولا يحصل الرفق إلا بالأجل , فإذا انتفى الأجل انتفى الرفق , وذلك لأن المسلف يرغب في تقديم الثمن لاسترخاص المسلم فيه , والمسلم إليه يرغب فيه لموضوع النسيئة , وإذا لم يشترط الأجل زال هذا المعنى.
- قال القاضي عبد الوهاب (ولأن السلم مشتق من اسمه الذي هو السلف , وهو أن يتقدم رأس المال ويتأخر المسلم فيه , فوجب منع ما أخرجه عن ذلك.
- ولأن السلم الحال يفضي إلى المنازعة , إذ هو أصلا بيع المفاليس , فالظاهر أن يكون المسلم إليه عاجزا عن تسليم المسلم فيه حالا , ورب السلم يطالب بالتسليم , فيتنازعان على وجه تقع الحاجة إلى الفسخ. كما أنه قد يكون فيه إلحاق الضرر برب السلم , لأنه أعطى رأس المال إلى المسلم إليه وصرفه في حاجته , فلا يصل إلى المسلم فيه بخلاف الأمر عند اشتراط الأجل , حيث لا يملك المطالبة إلا بعد حل الأجل , وعند ذلك يقدر المسلم إليه على التسليم ظاهرا , فلا يؤدي إلى المنازعة المفضية إلى الفسخ والإضرار برب السلم.
جواز أن يكون المسلم فيه حالا عند الشافعية
خالف الشافعية ما ذهب إليه جمهور الفقهاء , وقالوا بجواز السلم الحال كما هو جائز مؤجلا. وحجتهم القياس الأولوي على السلم المؤجل , حيث إن في الأجل ضربا من الغرر , إذ ربما يقدر المسلم إليه على تسليمه في الحال , ويعجز عند حلول الأجل , فإذا جاز مؤجلا فهو حالا أحرى بالجواز , لأنه أبعد عن الغرر.
تحديد الأجل في عقد السلم
مع أن جمهور الفقهاء - عدا الشافعية - اتفقوا على وجوب كون المسلم فيه مؤجلا لصحة العقد , فقد اختلفوا في تحديد الأجل الأدنى الذي لا يصح السلم بأقل منه , وذلك على جملة أقوال:
- ذهب الظاهرية إلى أن الحد الأدنى للأجل أقل ما ينطبق عليه اسم الأجل لغة , ساعة فما فوقها.
- وقال الحنابلة: من شرط الأجل أن يكون مدة لها وقع في الثمن عادة , كالشهر وما قاربه. لأن الأجل إنما اعتبر لتحقيق الرفق الذي من أجله شرع السلم , ولا يحصل ذلك بالمدة التي لا أثر لها في رخص الثمن.
- واختلف فقهاء الحنفية في تحديده , فقال الكرخي إنه موكول لتراضي العاقدين , حتى لو قدرا نصف يوم جاز. وقيل: أقله ثلاثة أيام قياسا على خيار الشرط. قال الكاساني وروى عن محمد أنه قدره بالشهر , وهو الصحيح , لأن الأجل إنما شرط في السلم ترفيها وتيسيرا على المسلم إليه , ليتمكن من الاكتساب في المدة. والشهر مدة معتبرة يتمكن فيها من الاكتساب , فيتحقق معنى الترفيه. فأما ما دونه ففي حد القلة , فكان له حكم الحلول.
- وذهب المالكية في المشهور عندهم إلى أن أقله ما تختلف فيه الأسواق , كالخمسة عشر يوما ونحوها. وهو قول ابن القاسم. وروى ابن وهب عن مالك أنه يجوز اليومين والثلاثة. وقال ابن عبد الحكم لا بأس به إلى اليوم الواحد.
قال الباجي - بعد عرض تلك الأقوال -: (إذا ثبت ما قلناه , فالذي قاله القاضي أبو محمد أن تغير الأسواق في ذلك لا يختص بمدة من الزمان , وإنما هو على حسب عرف البلاد. ومن قدر ذلك بخمسة عشر يوما أو أكثر فإنما قدر على عرف بلده وتقدير ابن القاسم ذلك بخمسة عشر يوما أو عشرين أظهر , لأن هذا عرف البلاد , ومقتضى ما علم من أسواقها فإنه يغلب تغيرها في مثل هذه المدة) .