للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اتفق الفقهاء لصحة السلم أن يكون المسلم فيه مما يغلب وجوده عند حلول الأجل , واحتجوا على ذلك بأن المسلم فيه واجب التسليم عند الأجل فلا بد أن يكون تسليمه مقدورا عليه حينذاك , وإلا كان من الغرر الممنوع.

وعلى هذا , فلا يجوز أن يسلم في ثمر إلى أجل لا يعلم وجود ذلك الثمر فيه , أو لا يوجد فيه إلا نادرا , كما أنه لا يجوز أن يسلم في ثمار نخلة معينة أو ثمار بستان بعينه. وذلك لما روى ابن ماجة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسلف إليه رجل من اليهود دنانير في ثمر مسمى , فقال اليهودي: من تمر حائط بني فلان. فقال عليه الصلاة والسلام: أما من حائط بني فلان فلا , ولكن كيل مسمى إلى أجل مسمى. وذلك لأن ثمر البستان المعين أو النخل المعين لا يؤمن تلفه وانقطاعه.

أما وجود المسلم فيه عند العقد فليس شرطا لصحة السلم عند جمهور الفقهاء من الشافعية والمالكية والحنابلة والظاهرية , فيجوز السلم في المعدوم وقت العقد وفيما ينقطع من أيدي الناس قبل حلول الأجل.

وحجتهم على ذلك ما روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة والناس يسلفون في الثمر العام والعامين , فقال: من أسلف في شيء ففي كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم. فلم يشترط عليه الصلاة والسلام وجود المسلم فيه عند العقد , ولو كان شرطا لذكره ولنهاهم عن السنتين والثلاث لأن من المعلوم أن الثمر لا يبقى طوال هذه المدة. وأيضا: فإن التسليم قبل حلول الأجل غير مستحق , فلا يلزم وجود المسلم فيه بتلك الفترة , إذ لا فائدة لوجوده حينئذ.

وخالفهم في ذلك الحنفية والثوري والأوزاعي الذين قالوا بعدم صحة السلم إلا فيما هو موجود في الأسواق من وقت العقد إلى محل الأجل دون انقطاع. واستدل الحنفية على ذلك بأن الأجل يبطل بموت المسلم إليه , ويجب أخذ المسلم فيه من تركته , فاشترط لذلك دوام وجود المسلم فيه لتدوم القدرة على تسليمه , إذ لو لم يشترط هذا الشرط , ومات المسلم إليه قبل أن يحل الأجل فربما يتعذر المسلم فيه , فيؤول ذلك إلى الغرر.

وقد أجاب ابن قدامة على حجة الحنفية هذه بقوله: (ولا نسلم أن الدين يحل بالموت , وإن سلمنا فلا يلزم أن يشترط ذلك الوجود , إذ لو لزم لأفضى إلى أن تكون آجال السلم مجهولة , والمحل ما جعله العاقدان محلا , وههنا لم يجعلاه) .

وقال القاضي عبد الوهاب البغدادي (ولأن كل وقت لم يجعل وقتا لقبض المسلم فيه لم يكن وجوده شرطا في صحة العقد , أصله ما بعد المحل. ولأنه يضبط بالصفة ويوجد عند المحل , فجاز السلم فيه) .

<<  <  ج: ص:  >  >>