اشتراط بيان مكان تسليم المسلم فيه عند الشافعية
ذهب الشافعية في المعتمد إلى أنه يشترط لصحة السلم بيان مكان تسليم المسلم فيه إذا كان موضع العقد لا يصلح للتسليم كالصحراء , أو كان لحمله مؤنة.
فإن كان العقد بمكان يصلح للتسليم أو لم يكن لحمله مؤنة فلا يشترط ذلك , ويتعين مكان العقد للتسليم بدلالة العرف.
وهذا إذا كان المسلم فيه مؤجلا , أما الحال فلا يشترط فيه تعيين مكان الوفاء , ويتعين موضع العقد للتسليم.
قالوا: ووجه اشتراط تعيينه في المؤجل إذا كان المكان لا يصلح للتسليم اختلاف الأغراض وتفاوتها في الأمكنة , فوجب بيانه كما هو الأمر في الأوصاف.
وأما إذا كان لحمله مؤنة فلأنه يختلف الثمن باختلاف المكان الذي سيسلم فيه , كالصفات التي يختلف الثمن باختلافها. بخلاف ما ليس لحمله مؤنة , فإنه لا يجب بيانه لأنه لا يختلف ثمنه باختلافها فلم يجب بيانه كالصفات التي لا يختلف الثمن باختلافها.
اشتراط بيان مكان تسليم المسلم فيه عند المالكية
وقال المالكية لا يشترط تعيين مكان الإيفاء , ولكنه يفضل.
قال ابن جزي (الأحسن اشتراط مكان الدفع. . فإن لم يعينا في العقد مكانا , فمكان العقد , وإن عيناه تعين , ولا يجوز أن يقبضه بغير المكان المعين ويأخذ كراء مسافة ما بين المكانين , لأنهما بمنزلة الأجلين) .
اشتراط بيان مكان تسليم المسلم فيه عند الحنابلة
وذهب الحنابلة إلى أنه لا يشترط ذكر مكان الإيفاء , لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكره , فدل على أنه لا يشترط فيه. ولأنه عقد معاوضة , فلا يشترط فيه ذكر مكان الإيفاء , كبيوع الأعيان , إلا أن يكون موضع العقد لا يمكن الوفاء فيه كصحراء وبحر وجبل ونحو ذلك , فعند ذلك يشترط بيانه لتعذر الوفاء في موضع العقد , فيكون محل التسليم مجهولا , فاشترط تعيينه بالقول كالأجل.
اشتراط بيان مكان تسليم المسلم فيه عند الحنفية
وقال الحنفية لا يشترط بيان مكان الإيفاء إذا لم يكن للمسلم فيه حمل ومؤنة , بحيث لا يحتاج نقله إلى كلفة نقل وأجرة حمال. أما إذا كان له حمل ومؤنة , فقد اختلف أبو حنيفة مع صاحبيه في اشتراط تعيين مكان الإيفاء.
فقال أبو حنيفة يشترط بيان مكان إيفاء المسلم فيه , لأن التسليم غير واجب في الحال , فلا يتعين مكان العقد موضعا للتسليم , وإذا لم يتعين بقي مجهولا جهالة مفضية إلى المنازعة لاختلاف القيم باختلاف الأماكن , فلا بد من البيان دفعا للمنازعة , إذ صار كجهالة الصفة.
وقال أبو يوسف ومحمد لا يحتاج إلى تعيينه , ويسلمه في موضع العقد , لأن مكانه موضع الالتزام , فيتعين لإيفاء ما التزمه في ذمته , كموضع الاستقراض والاستهلاك وكبيع الحنطة بعينها.
اشتراط بيان مكان تسليم المسلم فيه عند ابن حزم
وقال ابن حزم لا يجوز أن يشترطا في السلم دفعه في مكان بعينه , فإن فعلا فالصفقة كلها فاسدة. لكن حق المسلم قبل المسلم إليه أنه حيث ما لقيه عند محل الأجل فله أخذه بدفع حقه إليه , فإن غاب أنصفه الحاكم من ماله - أي المسلم إليه - إن وجد له , لقوله تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} فهو مأمور بأداء أمانته حيث وجبت عليه ويسألها.
رأي الفقهاء في حالة أداء المسلم فيه في غير المكان المعين
إذا قام المسلم إليه بتسليم الدين المسلم فيه في المكان المعين , فإنه لم يكن للمسلم الامتناع عن تسلمه فيه.
وقد اختلف الفقهاء في حالة قيام المسلم إليه بأداء المسلم فيه في غير المكان المعين , وذلك على قولين:
قال المالكية لا يلزم المسلم قبوله بغير محله , ولو خف حمله. وكذلك لا يجوز أن يقبضه بغير المكان المعين , ويأخذ كراء مسافة ما بين المكانين , لأنهما بمنزلة الأجلين.
وبمثل ذلك قال الحنابلة , وكذا الحنفية حيث جاء في البدائع: ولو سلم في غير المكان المشروط , فلرب السلم أن يأبى لقوله عليه الصلاة والسلام: المسلمون على شروطهم. فإن أعطاه على ذلك أجرا , لم يجز له أخذ الأجر عليه. لأنه لما قبض المسلم فيه فقد تعين ملكه في المقبوض , فتبين أنه أخذ الأجر على نقل ملكه , فلم يجز , فيرد الأجر. وله أن يرد المسلم فيه حتى يسلم في المكان المشروط , لأن حقه في التسليم فيه , ولم يرض ببطلان حقه إلا بعوض , ولم يسلم له , فبقي حقه التسليم في المكان المشروط.
وقال الشافعية إذا أتى المسلم إليه بالمسلم فيه في غير مكان التسليم , فامتنع المستحق من أخذه , فينظر
- فإن كان لنقله مؤنة , أو كان الموضع مخوفا , لم يجبر.
- وإلا فوجهان بناء على القولين في التعجيل قبل المحل. فلو رضي وأخذه , لم يكن له أن يكلفه مؤنة النقل. قال النووي قلت: أصحهما إجباره.