توثيق الدين بتأكيده وتقويته بالكتابة والشهادة
قد يكون توثيق الدين بتقوية وتأكيد حق رب السلم في الدين المسلم فيه بالكتابة أو الشهادة , لمنع المسلم إليه من الإنكار , وتذكيره عند النسيان , وللحيلولة دون ادعائه أقل من الدين المسلم فيه قدرا أو صفة ونحو ذلك أو ادعاء رب السلم أكثر منه.
وهذا النوع من التوثيق لا خلاف بين الفقهاء في كونه مندوبا إليه , لما فيه من حماية الحقوق , ومنع التلاعب بها , وقطع دابر الخصومات والمنازعات بين الناس فيها. وذلك لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} إلى آخر الآية (٢٨٢) من سورة البقرة.
توثيق الدين برهن أو كفيل
وقد يكون توثيق الدين بتثبيت حق رب السلم في الدين المسلم فيه وإحكامه , وذلك برهن أو كفيل بحيث يتمكن عند امتناع المسلم إليه عن الوفاء - لأي سبب من الأسباب - من استيفاء دينه من شخص ثالث يكفل الدين المسلم فيه بماله , أو من عين مالية يتعلق بها حق رب السلم وتكون رهينة بدينه , وتلك محل نظر بعض الفقهاء.
وبيان ذلك أن الفقهاء اختلفوا في مشروعية توثيق الدين المسلم فيه بالكفالة أو الرهن على أربعة أقوال:
أولا: ذهب الحنابلة في المعتمد عندهم إلى أنه لا يصح أخذ رهن ولا كفيل من المسلم إليه. وذلك لأنه إن أخذ برأس مال السلم الرهن والضمين , فقد أخذ بما ليس بواجب ولا مآله إلى الوجوب , لأن ذلك قد ملكه المسلم إليه. وإن أخذ بالمسلم فيه , فالرهن إنما يجوز بشيء يمكن استيفاؤه من ثمن الرهن , والمسلم فيه لا يمكن استيفاؤه من الرهن ولا من ذمة الضامن. ولأنه لا يأمن هلاك الرهن في يده بعدوان , فيصير مستوفيا لحقه من غير المسلم فيه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره رواه أبو داود. ولأنه يقيم ما في ذمة الضامن مقام ما في ذمة المضمون عنه , فيكون في حكم أخذ العوض والبدل عنه , وهذا لا يجوز.
- ثانيا: ذهب الشافعي ومالك والحنفية وإسحاق وابن المنذر إلى جوازه. وهو رواية عن الإمام أحمد اختارها ابن قدامة وجمع من الحنابلة. وهو قول عطاء ومجاهد وعمرو بن دينار والحكم وغيرهم من السلف. وعلى هذا , فإنه في حالة امتناع المسلم إليه عن الإيفاء مع وجود المسلم فيه في الأسواق , يجوز للمسلم مطالبة الكفيل , كما يجوز له بيع الرهن واستيفاء حقه من ثمنه.
وجاء في الأم للشافعي السلم: السلف. وبذلك أقول: لا بأس فيه بالرهن والحميل , لأنه بيع من البيوع , وقد أمر الله جل ثناؤه بالرهن , فأقل أمره , تبارك وتعالى , أن يكون إباحة له.
وقد علق برهان الدين ابن مفلح الحنبلي على استدلال المانعين بحديث: من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره بقوله: فيه نظر , لأن الضمير في (لا يصرفه) راجع إلى المسلم فيه , ولكن يشترى ذلك من ثمن الرهن ويسلمه , ويشتريه الضامن ويسلمه , لئلا يصرفه إلى غيره.
ثالثا: روي عن علي وابن عمر وابن عباس والحسن وسعيد بن جبير والأوزاعي كراهة ذلك.
وذهب ابن حزم الظاهري إلى أن اشتراط الكفيل في السلم يفسد به السلم , لأنه شرط ليس في كتاب الله تعالى , فهو باطل. أما اشتراط الرهن فيه فجائز.