للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جعل الفقهاء الصيغة التي تعبر عن إرادة العاقدين ركنا في الإجارة يتوقف وجود العقد عليه.

وقد اتفق الفقهاء على صحة انعقاد الإجارة باللفظ الصريح فيها كلفظ الإجارة والاستئجار , والاكتراء والإكراء ونحو ذلك مما يفيد تمليك المنفعة بشرط النص على قدر الأجرة , فتنعقد بقول المؤجر: أعرتك هذه الدار مثلا شهرا بكذا من المال , لأن العارية بعوض إجارة. وتنعقد أيضا بقول: وهبتك منافع هذه الدار لمدة شهر بكذا , أو ملكتك منافعها سنة بكذا. . .

واختلف الفقهاء في صحة انعقاد الإجارة بلفظ البيع كقوله بعني عملك شهرا أو بعتك هذه الدار سنة بكذا.

فقد قال بصحة ذلك المالكية , وهو قول عند الشافعية , وقول عند الحنابلة , والقول الأظهر عند الحنفية بشرط التوقيت. واستدلوا بأن الإجارة نوع من البيع فتنعقد بلفظه كالصرف ولأن المنافع شبيهة بالأعيان فإنه يصح العوض فيها وتضمن بالتعدي.

ولأن العبرة في العقود بما دل على مقصود المتعاقدين ورضاهما , فجاز انعقادها بكل لفظ دل على ذلك القصد والرضا.

وأجاز جمهور الفقهاء الإجارة بالمعاطاة.

فذهب المالكية والحنابلة وبعض فقهاء الشافعية وبعض فقهاء الحنفية إلى جواز الإجارة بالأفعال بدون تلفظ من الجانبين أو من أحدهما , وذلك في إجارة الأشياء الخسيسة أو النفيسة ما دام الرضا قد تحقق وفهم القصد لأن الشرع لم يطلب غير الرضا في صحة العقود , وليس فيه دليل على اشتراط اللفظ في التعبير عن هذا الرضا.

ومنع صحة انعقاد الإجارة بالمعاطاة جمهور الشافعية في القول المعتمد عندهم وبعض الحنفية في المدة الطويلة لأن الرضا أمر خفي لا يطلع عليه فأنيط الحكم بسبب ظاهر وهو الإيجاب والقبول , والمعاطاة لا تدل بوضعها على الرضا.

واتفق الفقهاء على أن الإجارة غير قابلة للتعليق كالبيع وصرح قاضي زاده من الحنفية بذلك وقال: الإجارة لا تقبل التعليق.

والأصل في الإجارة أن تكون منجزة فإذا لم يوجد ما يصرف الصيغة عن التنجيز أو لم ينص على بداية العقد , فإن الإجارة تبدأ من وقت العقد وتكون منجزة.

وذهب الشافعية إلى صحة إضافة صيغة الإجارة إلى المستقبل وذلك فيما يثبت في الذمة فقط ولم يجيزوا إلا بعض صور مستثناة في إضافة إجارة الأعيان والتي تكون المدة بين العقد وبين المدة المضاف إليها زمنا يسيرا.

والسبب في اشتراط اتصال المدة بالعقد هو أن الإجارة بيع المنفعة , وطريق جوازها عندهم , أن تجعل منافع المدة موجودة تقديرا عقيب العقد , لأنه لا بد من كون محل العقد موجودا , فجعلت المنافع كأنها أعيان قائمة بنفسها , وإضافة البيع إلى عين ستوجد لا تصح , كما في بيع الأعيان.

أما الجمهور فلم يفرقوا بين إجارة الأعيان والإجارة في الذمة في صحة الإضافة للمستقبل , كأن يقول رجل لآخر: أجرتك هذه الدار رأس الشهر الفلاني , أو أجرتكها سنة من غير شهر رمضان , وكان العقد قبل ذلك في رجب مثلا , فيجوز لأن عقد الإيجار ينعقد شيئا فشيئا على حسب حدوث المعقود عليه شيئا فشيئا , فكان العقد مضافا إلى حين وجود المنفعة , من طريق الدلالة الضمنية , وقد أجيزت الإضافة للمستقبل في الإجارة دون البيع للضرورة.

وترتب على مذهب الحنفية: أن المؤجر لو باع الدار المؤجرة لا يصح في حق المستأجر , وإن لم يجيء الوقت الذي أضيف إليه عقد الإجارة.

<<  <  ج: ص:  >  >>