للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يشترط في العاقد عند الحنفية: العقل أي أن يكون العاقد عاقلا , أي مميزا , فلا تنعقد الإجارة من المجنون والصبي غير العاقل , كما لا ينعقد البيع منهما , ولا يشترط عندهم البلوغ للانعقاد , ولا للنفاذ , فلو أجر الصبي المميز ماله أو نفسه , فإن كان مأذونا في ذلك وغيره , ينفذ عقده , وإن كان محجورا عن التصرفات , يقف على إجازة وليه.

وأما كون العاقد طائعا جادا عامدا , فليس بشرط عند الحنفية لانعقاد هذا العقد , ولا لنفاذه , لكنه من شرائط الصحة , كما في بيع العين. وكذلك إسلامه ليس بشرط أصلا , فتجوز الإجارة والاستئجار من المسلم والذمي والحربي المستأمن.

وذهب المالكية إلى أن التمييز شرط في انعقاد الإيجار والبيع وأن البلوغ شرط للنفاذ (وقد يعبرون عنه بأنه شرط لزوم) فالصبي إذا أجر نفسه أو سلعته صح عقده , وتوقف العقد على رضا وليه.

كما اشترط الحنفية والمالكية خلافا لغيرهم لنفاذ عقد الإجارة توافر الملك أو الولاية فلا تنفذ إجارة الفضولي لعدم الملك والولاية وإنما العقد ينعقد موقوفا على إجازة المالك , كما في عقد البيع. والإجازة تلحق الإجارة الموقوفة بشروط , منها قيام المعقود عليه , فإذا آجر الفضولي شيئا لغيره , وأجاز المالك العقد , ينظر:

- إن أجاز العقد قبل استيفاء المنفعة , جازت إجازته , وكانت الأجرة للمالك , لأن المعقود عليه قائم.

- وإن أجاز العقد بعد استيفاء المنفعة بأن سكن المستأجر الدار المدة المعقود عليها , لم تجز إجازته , وكانت الأجرة للعاقد , لأن المنافع المعقود عليها تلاشت في الماضي , فتكون عند الإجازة معدومة , فلا يبقى العقد بعدئذ , لفوات محله فلا تصح الإجازة , ويصير العاقد الفضولي حينئذ غاصبا بالتسليم.

وقال الحنفية في هذا الشأن: إن الغاصب إذا آجر ما غصبه , وسلم ذلك , ثم قال المالك , (أجزت ما آجرت) فإن كانت مدة الإجارة قد انقضت , فللغاصب الأجر , لأن المعقود عليه قد انعدم , والإجازة لا تلحق المعدوم كما تقدم. وإن كانت الإجازة بعد مضي بعض المدة , فالأجر كله للمالك في رأي أبي يوسف لأنه إذا بقي بعض المدة , لم يبطل العقد , فكان محلا للإجازة , فهو قد نظر إلى المدة.

وذهب محمد بن الحسن إلى أن أجر ما مضى للغاصب , وأجر ما بقي للمالك , لأن كل جزء من أجزاء المنفعة معقود عليه , مستقل عن غيره , فإذا مضى بعض مدة الإجارة , كان الماضي منعدما حين الإجارة , فلا يصح إلحاق الإجازة به , لانعدامه , فهو قد نظر إلى المعقود عليه.

ويجري هذا الخلاف بين أبي يوسف ومحمد فيمن غصب أرضا , فأجرها للزراعة , فأجاز صاحب الأرض عقد الإجارة.

وفصل محمد فيما إذا أعطاها الغاصب مزارعة: إن كان الزرع قد سنبل , ولم ييبس , فأجاز صاحب الأرض , جازت المزارعة , ولا شيء للغاصب من الزرع , لأن المزارعة بمنزلة شيء واحد , لا ينفصل بعض عملها عن بعض , فكانت إجازة العقد قبل الاستيفاء بمنزلة ابتداء العقد. وأما إذا كان الزرع يبس , فقد انقضى عمل المزارعة , فلا تلحق الإجازة العقد , ويكون الزرع حينئذ للغاصب. والراجح رأي أبي يوسف حين خلافه مع محمد كما هو مقرر في قواعد الحنفية.

واتجه الشافعية والحنابلة إلى أنه يشترط التكليف (البلوغ والعقل) لانعقاد الإيجار لأنه عقد تمليك في الحياة , فأشبه البيع. أما الصبي المميز فلا تصح إجارته لأنه فاقد لأهلية تعاطي الأسباب القولية ولا تنعقد منه ولأن العقل لا يمكن معرفة الحد الذي يصلح به التعرف لخفائه فجعل الشارع له ضابطا وهو البلوغ , فلا يصح تصرفه قبل البلوغ.

<<  <  ج: ص:  >  >>