وهذا عبد الرحمن بن عوف قد فضل أيضًا بعض ولده فيما أعطاهم على بعض، ولم ينكر ذلك عليه منكر، فكيف يجوز لأحد أن يحمل فعل هؤلاء على خلاف قول النبي -عليه السلام-، ولكن قول النبي -عليه السلام- عندنا فيما ذكرنا من ذلك إنما كان على الاستحباب كاستحبابه التسوية بين أهله في العطية وترك التفضيل لحرِّهِم على مملوكهم، ليس على أن ذلك مما لا يجوز غيره، ولكن على استحبابه لذلك، وغيره في الحكم جائز كجوازه.
ش: ذكر هذين الأثرين عن أبي بكر وعبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنهما - شاهدًا لصحة ما قاله أهل المقالة الثانية من أن ما كان من قول النبي -عليه السلام- في حديث النعمان بن بشير إنما كان على الاستحباب لا الوجوب، كما كان -عليه السلام- استحب التسوية بين أهله في إعطائه العطايا إياهم وترك التفضيل لحرهم على عبدهم، ولم يكن ذلك على أن غيره لا يجوز فعله، ولكن إنما كان على استحبابه لذلك تطييبًا لقلوبهم ومراعاة لهم في رضاهم، والدليل على ذلك: أنَّ أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - قد أعطى عائشة ما أعطى دون سائر ولده، ورأى ذلك جائزًا، وكذلك عائشة رأته جائزًا، وكان ذلك بمحضر من الصحابة - رضي الله عنهم -، ولم ينكر عليهما أحد منهم، فدل ذلك على الجواز، ولو كان الأمر كما قاله أهل المقالة الأولى، لكان يلزم خلاف أبي بكر لما قال -عليه السلام-، وحاشاه من ذلك، وكذلك عبد الرحمن بن عوف قد فَضَّل بعض ولده فيما أعطاهم على بعض، وكان ذلك أيضًا بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليهم أحد منهم، فدل ذلك أيضًا على الجواز.
ثم إنه أخرج أثر أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - من طريقين صحيحين:
الأول: رجاله كلهم رجال الصحيح، عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن مالك، عن محمَّد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن عروة بن الزبير. . . . إلى آخره.