"غزوة تبوك" وهي آخر غزواته صلى الله تعالى عليه وسلم وهي قبل حجة الوداع بلا خلاف، وكانت في رجب سنة تسعه، قال ابن عائذ وكانت بعد الطائف بستة أشهر ولا يخالف هذا كونها في رجب إذا حذفنا الكسور لأنه عليه الصلاة والسلام دخل المدينة في ذي الحجة رجوعه من الطائف قاله الزرقاني. وفي المواهب وذكر البخاري لها بعد حجة الوداع لعله خطأ من النساخ اهـ.
وتبوك بفتح الفوقية وضم الموحدة مخففة بغير صرف للأكثر وتصرف على إرادة الموضع، مكان بينه وبين المدينة من جهة الشام أربع عشرة مرحلة، وبينه وبين دمشق إحدى عشرة مرحلة. وقول المواهب وهو نصف طريق المدينة إلى دمشق مراده على التقريب بدليل ما مرّ من كلام الفتح. ووقعت تسميتها بذلك في الأحاديث الصحيحة ففي مسلم والموطأ عن معاذ أنهم خرجوا معه صلى الله تعالى عليه وسلم فقال إنكم ستأتون غداً إن شاء الله تعالى عين تبوك، فمن جاء فلا يمس من مائها ستأتون غداً إن شاء الله تعالى عين تبوك، فمن جاء فلا يمس من مائها شيئاً (الحديث)، وهذا يدل على قدم تسمية المكان بذلك. وقيل سميت بذلك لقوله عليه الصلاة والسلام للرجلين اللذين سبقاه إلى العين ما زلتما تبوكانها منذ اليوم. قال ابن قتيبة فبذلك سميت العين تبوك. والبوك كالنقش والحفر وهي غزوة العسرة أي السدة أي لأن الخروج إليها كان في حرّ شديد، ليالي الخريف وجدب كثير مع قلة الظهر والنفقة، ولذا لم يور صلى الله تعالى عليه وسلم فيها كعادته في غيرها من الغزوات. فلم يغز غزوة إلا ورى بغيرها إلا في هذه فجلى للمسلمين أمرهم فيها ليتأهبوا أهبة السفر البعيد في الحر الشديد والقحط، وتسمى بالفاضحة لافتضح المنافقين فيها لما نزل فيهم نحو {وقالوا لا تنفروا في الحرّ}، {ومنهم من يقول ائذن لي}، {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب}، {لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} إلى غير ذلك.
وكان خروجه إليها صلى الله تعالى عليه وسلم يوم الخميس؛ وفي