وخرجت فلما طلعت على العسكر فرآني الناس قال صلى الله تعالى عليه وسلم كن أبا خيثمة، فجئت فدعى لي:
وقوله كن أبا خيثمة وكن أبا ذر معناه الدعاء، كما تقول أسلم، أي سلمك الله، أي اللهم اجعله أبا ذر، وقيل معناه أنت أبو ذر، أنت أبو خيثمة انظر الزرقاني. قال في المواهب لما دنى صلى الله تعالى عليه وسلم من المدينة خرج الناس لتلقيه فخرج النساء والصبيان والولائد يقلن:
(طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع)
(وجب الشكر علينا ... ما داعا لله داع)
قال الزرقاني وبعدهما:
(أيها المبعوث فينا ... جئت بالأمر المطاع)
وقال القسطلاني وقد وهم بعض الرواة وقال: إنما كان هذا الشعر عند مقدمه المدينة وهو وهم ظاهر لأن ثنيات الوداع إنما هي من ناحية الشام لا يراها القادم منمكة إلى المدينة، ولا يراها إلا إذا توجه إلى الشام كما قدمت ذلك انتهى.
وقوله بعض الرواة هو عبد الله بن محمد المعروف بابن عائشة، وقوله كما قدمت ذلك أي في الهجرة قاله الزرقاني، وفي البخاري لما رجع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من غزوة تبوك فدنى من المدينة قال إن بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا يطعتم وادياً إلا كانوا معكم حبسهم العذر وهذا يؤيد معنى ما روي: نية المؤمن خير من عمله، فإن نية نؤلاء خير من أعمالهم، فإنها بلغت بهم مبلغ أولئك العاملين بأبدانهم وهم على فرشهم في بيوتهم، والمسابقة إلى الدرجات العلا بالنيات والهمم لا بمجرد الأعمال، قاله في المواهب وقوله وادياً قال البيضاوي هو كل منفرج ينفرج فيه السيل اسم فاعل من ودى إذا سال وشاع بمعنى الأرض، وقوله معكم أي بالنيات، ولأحمد وابي داود لقد تركتم بالمدينة أقواماً ما سرتم من سير ولا أنفقتم من نفقة ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم فيه، ولابن حبان وأبي عوانة إلا أشركوكم في الأجر