بيده لو لم ألتزمه أي أعتنقه لم يزل هكذا أي باكياً إلى يوم القيامة تحزناً على رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، أي إظهاراً للحزن الزائد على الصبر على فراقه، صلى الله تعالى عليه وسلم، فأمر به، صلى الله تعالى عليه وسلم، فدفن تحت المنبر وفي طريق فدفنت فأراد الخشبة، وما أحسن قول بعض أرباب الحال:
(الصبر يحمد في المواطن كلها ... إلا عليك فإنه مذموم)
وفي رواية أنه عليه السلام دعاه فجاء يخرق الأرض بضم الراء وكسرها أي يشقها فالتزمه أي اعتقنه توديعاً ثم أمره فعاد إلى مكانه. وفي حديث بريدة أنه عليه السلام قال له إن شئت أردك إلى الحائط الذي كنت فيه ينبت لك عروقك ويكمل خلقك ويجدد لك خوصك وثمرك، والخوص بضم الخاء ورق النخل وإن شئت أغرسك بكسر الراء في الجنة فيأكل أولياء الله تعالى من ثمرك. ثم أصغى له النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، يستمع ما يقول، فقال بل تغرسني في الجنة فيأكل مني أولياء الله تعالى وأكون في مكان لا أبلى فيه بفتح الهمزة واللام أي لا افنى فسمعه أي كلام الجذع من يليه اي من يقرب من النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، قيل وممن سمعه ابن عمر قال غاب الجذع فلم ير بعد ذلك. فقال، صلى الله تعالى عليه وسلم، قد فعلت. اختار دار البقاء على دار الفناء. فكان الحسن البصري إذا حدث بهذا بكا وقال يا عباد الله الخشبة تحن إلى رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، شوقاً إليه فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه انتهى من الشفا وشرحه.
قال القاري وما أحسن قول من قال:
(وألقي حتى في الجمادات حبه ... فكانت لإهداء السلام له تهدى)
(وفارق جذعاً كان يخطب عنده ... فأن أنين الأم إذ تجد الفقدا)
(يحن إليه الجذع يا قوم هكذا ... أما نحن أولى أن نحن له وجدا)
(إذا كان جذع لم يطق بعد ساعة ... فليس وفاء أن نطيق له بعدا)