قال الهيثمي بعد الكلام على قصة الجذع وذلك يدل على أن الله خلق فيه الحياة والشوق لأن مذهب الأشعري أن الإدراك شرطه الحياة ولذا عامله النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، معاملة الحي بالتزامه كما يلتزم الغائب أهله انتهى.
وقال القاضي عياض اختلف أئمة النظر في هذا الباب فمن قائل يقول هو كلام يخلقه الله تعالى في الشاة الميتة أو الحجر أو الشجر وحروف وأصوات يحدثها الله تعالى فيها دون تغيير أشكالها عن هيآتها وهذا مذهب الشيخ أبي الحسن والقاضي أب بكر؛ وذهب آخرون إلى إيجاد الحياة أولاً ثم الكلام بعدها وحكى هذا عن شيخنا أبي الحسن وكل محتمل والله تعالى أعلم.
إذا لم نجعل الحياة شرطاً لوجود الحروف والأصوات إذ لا يستحيل وجودها بمجردها مع عدم الحياة، أما إذا كانت عبارة عن الكلام النفسي فلابد من شروط الحياة إذ لا يوجد كلام النفس إلا من حي وأحال الجبائي من بين سائر الفرق وجود الحروف والأصوات إلا من حي والتزم ذلك في الحصى والذراع والجذع انتهى.
وفي المواهب والحنين صوت المتألم المشتاق عند الفراق وإنما يشتاق إلى بركة رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، ويأسف على مفارقته أعقل العقلاء والعقل والحنين بهذا الاعتبار يستدعي الحياة وهذا يدل على أن الله عز وجل خلق فيه الحياة والعقل والشوق ولهذا حنّ وأنّ، فإن قلت مذهب الشيخ الأشعري أن الأصوات لا يستلم خلقها في المحل خلق الحياة ولا العقل أجيب بأنه كذلك إلا أن الشوق إنما يكون شوقاً معنوياً عقلياً ومذهب الشيخ أن الذكر المعنوي والكلام النفسي يستلزمان الحياة استلزام العلم لها. ولله در القائل:
(وحن إليه الجذع شوقاً ورقة ... ورجع صوتاً كالعشار مرددا)
(فبادره ضماً فقر لوقته ... لكل امرئ من دهره ما تعودا)
ومردداً بفتح الدال صفة صوتاً وبكسرها حال من فاعل رجع، وقر سكن وقوله لكل امرئ الخ. يعني أنه أمر مطرد في كل من اعتاد أمراً وانقطع