للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يدل على أحد أمرين:

إما أن يكون كل منهما جائزًا، والأمر بالقيام ليس على الوجوب، وهذا أولى من النسخ. قال الإمام أحمد (١): إن قام لم أَعِبْه، وإن قعد فلا بأس. وقال القاضي وابن أبي موسى: القيام مستحب، ولم يرياه منسوخًا (٢). وقال بالتخيير إسحاقُ، وعبد الملك بن حبيب، وابن الماجشون (٣). وبه تأتلف الأدلة.

أو يدلَّ على نسخ قيام القاعد الذي يُمَرّ عليه بالجنازة، دون استمرار قيام مُشَيِّعِها، كما هو المعروف من مذهب أحمد عند أصحابه (٤)، وهو مذهب مالك (٥) وأبي حنيفة (٦).

الثالث: أن أحاديث القيام لفظ صريح، وأحاديث الترك إنما هي فِعْل مُحتمِل لما ذكرنا من الأمرين، فدعوى النسخ غير بينة، والله أعلم.

وقد عمل الصحابة بالأمرين بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقعد علي وأبو هريرة ومروان، وقام أبو سعيد (٧)، ولكن هذا في قيام التابع، والله أعلم.


(١) «مسائل أحمد وإسحاق» رواية الكوسج (١/ ٣٢٨)، وقال إسحاق: كما قال.
(٢) «المغني» (٣/ ٤٠٤).
(٣) سبق قول إسحاق، وقول الآخرَين في «والنوادر والزيادات» (١/ ٥٨٠ - ٥٨١).
(٤) انظر: «الإنصاف» (٦/ ٢١٢ - ٢١٣).
(٥) ظاهر ما في «المدونة» (١/ ١٧٧) و «البيان والتحصيل» (٢/ ٢٧٤ - ٢٧٥) أن مذهب مالك جواز جلوس المشيع قبل أن توضع، فليُحرّر.
(٦) انظر: «كتاب الآثار» للشيباني (ص ٥١)، و «تبيين الحقائق» (١/ ٢٤٤).
(٧) أثر علي أخرجه عبد الرزاق (٦٣١٢)، وابن أبي شيبة (١٢٠٤١، ١٢٠٤٢، ١٢٠٤٤) من طرق عنه. أما أبو هريرة ومروان وأبو سعيد، فلهم قصة، أخرجها البخاري (١٣٠٩) ــ واللفظ له ــ، وأبو يعلى (٦٤٥٥)، والطبري في «تهذيب الآثار» (٨٠٦، ٨٠٧ - مسند عمر)، والحاكم (١/ ٣٥٦ - ٣٥٧)، أنهم كانوا في جنازة «فأخذ أبو هريرة بيد مروان فجلسا قبل أن توضع، فجاء أبو سعيد - رضي الله عنه - فأخذ بيد مروان فقال: قُمْ فواللهِ لقد علم هذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهانا عن ذلك! فقال أبو هريرة: صدق». وزاد غير البخاري بإسناد صحيح: « ... قال [مروان]: فما منعك أن تخبرني؟ قال: كنتَ إمامًا فجلستَ فجلستُ».