للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

التوفيق.

الجملة الثالثة في حديث واثلة: «ميراث اللقيط». وهذا قد اختلف فيه، فذهب الجمهور إلى أنه لا توارث بينه [ق ١٦١] وبين ملتقطه بذلك. وذهب إسحاق بن راهويه إلى أن ميراثه لملتقطه عند عدم نسبه (١)، لظاهر حديث واثلة.

وإن صح الحديث فالقول ما قال إسحاق، لأن إنعام الملتقط على اللقيط بتربيته والقيام عليه والإحسان إليه، ليس بدون إنعام المُعتِق على العبد بعتقه. فإذا كان الإنعام بالعتق سببًا لميراث المعتق، مع أنه لا نسب بينهما، فكيف يستبعد أن يكون الإنعام بالالتقاط سببًا له مع أنه قد يكون أعظم موقعًا وأتم نعمةً؟

وأيضًا فقد ساوى هذا الملتقط المسلمين في مال اللقيط، وامتاز عنهم بتربية اللقيط والقيام بمصالحه وإحيائه من الهلكة، فمِن محاسن الشرع ومصلحته وحكمته: أن يكون أحقَّ بميراثه.

وإذا تدبَّرتَ هذا وجدته أصحَّ من كثير من القياسات التي يبنون عليها الأحكام، والعقولُ أشدُّ قبولًا له. فقول إسحاق في هذه المسألة في غاية القوة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدفع الميراث بدون هذا، كما دفعه إلى العتيق مرة (٢)،


(١) كما في «مسائله» برواية الكوسج (٢/ ٤٧٢ - ٤٧٣، ٥٠٤) مستدلًّا بقول عمر للملتقط: «لك ولاؤه، وعلينا نفقته». أخرجه مالك في «الموطأ» (٢١٥٥).
(٢) أخرجه أحمد (١٩٣٠)، وأبو داود (٢٩٠٥)، والترمذي (٢١٠٦) وقال: حسن، والحاكم (٤/ ٣٤٧)، من طريق عمرو بن دينار، عن عوسجة مولى ابن عباس، عن ابن عباس.
عوسجة هذا وثَّقه أبو زرعة، لكنه ليس بمشهور ولم يتابع عليه. قال البخاري: لم يصح حديثه. انظر: «العلل» لابن أبي حاتم (١٦٤٣)، و «الضعفاء» للعقيلي (٥/ ٢٩)، و «الكامل» لابن عدي (٥/ ٣٨٤).